محاسبة المدير و المسؤول إلى جانب محاسبة الفاسدين
كتب / د. باسل عباس خضير ..
من المتفق عليه في اغلب الأدبيات الإدارية ، إن لكل مدير أربعة وظائف تلازمه في كل الأعمال والمستويات وهي ( التخطيط ، التنظيم ، التوجيه ، الرقابة ) ، والتخطيط بمعناه المعروف يشير إلى مسؤولية المدير عن وضع الخطط المستقبلية والتنبؤ بالمتغيرات لتحقيق الأهداف ، أما التنظيم فانه يتضمن تهيئة الموارد البشرية والمادية وغيرها اللازمة لانجاز الأعمال وبلوغ الأهداف ، و التوجيه يشير إلى الدور القيادي للمدير في انجاز الفعاليات والتحفيز واستخدام الوسائل الكفيلة للمحافظة على التوازن التنظيمي ، ووظيفة الرقابة تعني قيام المدير او المسؤول بمتابعة كل ما يتعلق بمهام نطاق إشرافه من حيث الالتزام بالخطط والتأكد من الاستخدام الأمثل للموارد وضمان الوصول للأهداف الكمية والنوعية والقدرة على معالجة الانحرافات ، ولأهمية الرقابة فهم يصنفونها بعدة أجزاء منها الرقابة القبلية أي قبل المباشرة بالتنفيذ والرقابة أثناء انجاز الأعمال والرقابة البعدية التي تعني مقارنة المنفذ بالمخطط وتحديد التطابق او الفرق بينهما ، والمدير بموجب ما ذكرناه من وظائف فانه المسؤول عن تحقيق النجاح والحؤول عن الضياع و الهدر والانحراف الذي يحصل في نطاق مسؤوليته فهو الرقيب قبل وأثناء التنفيذ وبعد انجاز الأعمال ، وصحيح إن المدير بإمكانه أن يفوض الصلاحيات للمستويات الإدارية بما يساعده في تجزئة الأعمال إلا انه يبقى المسؤول عن المنظمة ، فالمسؤولية لا تفوض ولا تجزا في كل المنظمات وتبقى بذمة المسؤول بكل المراحل و التعاملات .
وما يذكرنا بتلك المفاهيم التي تمت صياغتها بنظريات واقترنت بتطبيقات منذ قرون ، إننا غالبا ما نسمع عن اكتشاف حالات من الفساد والتلاعب وتجاوز حدود الصلاحيات وغيرها من المخالفات التي حصلت وتحصل من واقع عمل المنظمات ، فهناك التريليونات والمليارات التي سرقت وخرجت من الوزارات والهيئات والدوائر والشركات وفاعليها موظفون بدرجات متفاوتة ولم ينكشف أمرهم إلا بعد انفضاح أمرهم او هروبهم وغيرها من الحالات التي باتت إخبارها مألوفة لدى العراقيين وبعضها لايزال محط متابعة القضاء او جهات استرداد الأموال او الانتربول ، واغلب الحالات يتم رصدها لاحقا من قبل الجهات الخارجية وليس من قبل المعنيين عن ممارسة مسؤوليتهم المطلوبة في الرقابة قبل او إثناء او فيما بعد ، والسؤال الذي يتبادر للذهن إذا كان رصد تلك المخالفات لم يتم من داخل المنظمة وإنما من قبل الجهات الأمنية او الرقابية او القضائية أثناء او بعد الشروع فلماذا يضعون مرتكبيها تحت طائلة الحساب ( وهم يستحقون ما يترتب عليهم من عقاب ) بينما لم يشيروا إلى ما يجب اتخاذه من إجراءات اتجاه الرئيس المباشر او الأعلى كونه المسؤول ؟ ، نعم انه المسؤول المباشر كونه اغفل او أهمل في تنفيذ واجباته الإشرافية ، والرئيس الأعلى يعد مسؤول عن المخالفات لأنه لم يمارس واجباته في الرقابة كون المسؤولية وتبقى على عاتقه لأنه هو من قسم الأعمال وليس من المسموح له أن يتخلى عن مسؤوليته عن رقابة المنظمة والعاملين فيها بأي حال من الأحوال ، وحسب ما يتم إعلانه في المحاكم او في الإحصاءات او وسائل الإعلام فان اغلب المخالفات المرتبطة بالفساد منبعها المنظمات الحكومية التي يفترض أن تتمتع بالبيروقراطية الرقابية في ممارسة الأعمال ، وحسب السياقات القانونية السائدة فان القضاء يطلب إجراء التحقيق الإداري بكل الفساد المنتج من الأجهزة الحكومية و ربما يكون المدير هو من يختار اللجنة الحقيقية ، وحسب الصلاحيات الممنوحة قد يكون هو او رئيسه الأعلى هم من يصادقون على قرارات مجالس التحقيق وإحالة الموضوع للقضاء ، رغم أنهم من حيث المنطق يتحملون جزءا من المسؤولية عن القصور في ممارسة الدور الرقابي المانع للفساد الذي يجب أن يقوم به كل مدير وبمختلف المستويات .
وقد يسال البعض ، كيف يكتشف المدير حالات الفساد و المخالفات وهو مشغول بتسيير أمور دائرته ؟، وهو سؤال لا يعطي العذر المقبول لان المدير يجب أن تكون له أدواته الفاعلة في ممارسة أهم وظيفة من وظائفه في الرقابة على الأداء والأفراد ، سواء كانت الرقابة القبلية من خلال حسن اختيار المشرفين وتوزيع الأعمال والأدوار او الرقابة أثناء العمل من خلال استخدام أساليب ملائمة للتأكد من سلامة سير الأعمال او من خلال الرقابة البعدية ، والمديرون في وقتنا الحالي لديهم أقسام وشعب للمتابعة والرقابة الداخلية كما يمتلكون التقنيات الممكنة كالحواسيب و الكاميرات ويمكنهم الاستعانة بالجهات المعنية واستخدام ما يناسبهم من الأساليب في هذا المجال ، لان انفلات الأمور وانتشار الفساد يعطي تفسيرات عديدة منها الشكوك بأنه طرفا او شريكا بالمخالفات او ربما يتغاضى عن بعض المخالفات ، او قد يكون بمستوى منخفض في إدراك الحس الأمني المتعلق بالمخالفات او انه غير مؤهل أصلا لممارسة ما اسند إليه من أعمال ومسؤوليات او غيرها من التفسيرات التي جعلت بلدنا في مراتب متقدمة بقائمة الدول التي يمارس فيها الفساد ، ولو كانت الأمور تسير بشكلها الطبيعي في ممارسة الرقابة لما أصبحت العديد من تلك الحالات في قبضة الأجهزة الأمنية والنزاهة وغيرها من الجهات ، وفي بلد يضع مكافحة ومعالجة الفساد في مقدمة البرامج الحكومية المعلنة يفترض التركيز على وظيفة الرقابة من قبل كل مسؤول لممارستها بأحسن الحالات ، ولا نعتقد بان هذه القضية غائبة عن ذهن ومعرفة القيادات ولكنها لم تعطى الأهمية اللازمة لعدة أسباب ، واحدة منها إسناد بعض الإدارات لمديرين ليست لديهم المهارة والمعرفة الكافية في وظائف وأساليب الإدارة لتمكينهم من ممارسة وظائفهم لينجوا من المسؤولية الإدارية والقانونية ويحافظوا على سمعتهم وسمعة دوائرهم عن ما ترتكب من مخالفات ، وفي لقاء دولة رئيس مجلس الوزراء ( قبل أيام ) مع المدراء العامين الذين تم تكليفهم أصالة ووكالة تطرق إلى جانب من هذا الموضوع ، حين دعاهم لممارسة مسؤولياتهم بالشكل المطلوب واختيار ما يناسبهم من أدوات وحسن إعطاء الثقة للتنفيذيين وان المدير يجب أن يكون مسئولا عن منع الفساد ، ومن المهم إن يقترن ما قاله بالتطبيق بجعل المدير يتحمل مسؤولية ما ترتكب من مخالفات ومنها التقصير في الرقابة بما يضمن الجدية والحساسية في قبول المناصب لتكون الادارة للشخص المناسب بالفعل .