زمن العجز الأمريكي وتحول مفهوم القوة في عصر المقاومة
كتب / الدكتورة حسناء نصر الحسين
ما بين التصريحات الأمريكية بعدم رغبتها بتوسيع رقعة الصراع في المنطقة وفعل عدوانها على الأراضي السورية والعراقية وما رافقها من عمليات عدوانية بريطانية أمريكية على اليمن تجر أمريكا المنطقة برمتها لحرب مفتوحة لن تستطيع واشنطن التنبؤ بخواتيمها التي لن تأتي كما تشتهي الرياح الأمريكية ، فالمحور المقاوم الذي اتخذ قرار الدعم والاسناد للحرب المفتوحة للكيان الاسرائيلي على أهلنا في فلسطين المحتلة توسعت قراراته بعد الدخول الأمريكي المباشر بالاعتداء على سيادة كل من اليمن وسورية والعراق في انتهاك صارخ للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة وما نتج عن هذه الاعتداءات من ارتقاء كوكبة من الشهداء يدخل محور المقاومة بمسارات اكثر تشددا لناحية الرد وشكله ومكانه الذي قد يمتد ليطال تواجد القوات الأمريكية في جغرافية اكثر اتساعا من جغرافية الصراع الحالي وهذا سيكلفها أثمان باهظة لناحية السمعة لهذه الدولة العظمى ولناحية الخسائر في أرواح جنودها وهذا امر وارد جدا لناحية طبيعة الرد الذي سنشهده في الأيام القليلة القادمة .
وهنا لنا أن نسأل لماذا تقامر الولايات المتحدة الأمريكية بسمعتها وتدخل في هذه المعركة التي لن تخرج منها بنتائج ترضي سطوتها وغطرستها؟ وهل حماية انهيار الكيان الاسرائيلي هو الهدف الأوحد لدى الإدارة الأمريكية أم أن هناك أهداف وحسابات أخرى؟
على الرغم من الزهو الذي عبرت عنه تصريحات البيت الأبيض بعد عملية العدوان على سورية والعراق واليمن والتي بات واضحا بأن إدارة الرئيس بايدن تبحث عن نصر في عيون الداخل الأمريكي الذي استقبل جثامين الجنود الثلاثة جراء العمل المقاوم لمقاومة العراق ، كما انها بحاجة ماسة لاعادة الصورة النمطية التي عملت عقود لرسمها عن انها القوة المهيمنة على هذا الكوكب ومازالت قادرة على شن الحروب واستعادة زمام قرار الحرب بما يعبر عن حالة النكران الأمريكية لما فرضته القوى المقاومة من معادلات على الأرض فهي الغارقة في حرب مع روسيا في اوكرانيا دون تحقيق اي نتائج تعطيها ورقة قوة تخضع الرئيس بوتين وفشلت في استدراج الصين لحرب في بحر الصين الجنوبي ، لتعود لمحاباة الصين .
هذه المعطيات التي تؤكد فشل معارك واشنطن ونضيف إليها فشلها في تحقيق انتصار لإسرائيل على الرغم من اشتراكها المباشر في هذه الحرب الا انها فشلت في فرض اجندتها على المقاومة الفلسطينية وفشلت في اخضاع المقاومة والشعب الفلسطيني رغم استخدام كل ادواتها واسلحتها الإرهابية، أمام هذا الفشل وصورة أمريكا كإمبراطورية للتوحش التي استقرت في أذهان الرأي العام العالمي بعد كل الجرائم والمجازر التي شاركت فيها ضد اهل غزة وجدت أمريكا في عمليات المقاومة فرصة لتصفية القوى المقاومة في المنطقة وفي هذا الخيار ترى واشنطن إمكانية عودة المنطقة برمتها لبيت الطاعة الأمريكي وبنفس الوقت تصنع مادة اعلامية تشغل بها الرأي العام الدولي عن المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني ، لتتحول من خبر تتناوله وسائل الإعلام وتعري اجرامه إلى صانع للخبر وبذا تستعيد استعادة زمام المبادرة في صناعة المحتوى الاعلامي الذي تتقن صياغة سردياته لإعادة تشكيل الرأي العام والتأثير فيه .
هذا القرار الأمريكي بتوسيع الجبهات والذهاب للخيار العسكري لن تحصد منه إلا المزيد من الانكسارات والهزائم فهي لم تحقق أهدافها في اعتداءاتها على اليمن ومازالت الصواريخ والمسيرات اليمنية تستهدف السفن الإسرائيلية ومازالت قادرة على توجيه الضربات المباشرة للسفن الحربية الأمريكية والبريطانية ، ورغم كل الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية تحت عنوان استهداف قوات حزب الله وفيلق القدس مازالت هذه القوات قوية وتملك زمام المبادرة في الميدان وهذا ما يجعلنا نحكم على هذه الاعتداءات بالفشل ولن تنجح أمريكا في تغيير المعادلات في المنطقة التي ستفرض على الإدارة الأمريكية بالخروج من المنطقة مذلولة ومشهدية الخروج المذل من أفغانستان وقبلها العراق مازال حاضرا ولن يمحى من سجلات الهزائم الأمريكية وفي الحالة الراهنة ستكون الهزيمة الأمريكية مزدوجة فهي لم تنجح طيلة هذه الأيام من إلحاق الهزيمة للمقاومة الفلسطينية في غزة ولم تنجح في تهجير أهلها وستفشل أيضا في تصفية المقاومة او الحد من قوتها وقدرتها المتنامية في اليمن والعراق ولبنان وسورية وهذا ما سيجعل هزيمتها مزدوجة وخروجها أكثر واكبر كلفة .