لماذا حلالٌ على بايدن قصف العِراق وحرامٌ على العِراقيين الثّأر لابناء جِلدتهم؟ هل آنَ أوانُ الانتِقام في بغداد وصنعاء؟
كتب / عبد الباري عطوان
تُدرك الدولة العميقة الأمريكيّة جيّدًا هذه الأيّام بأنّ مُستقبل دولة “إسرائيل” بات مهددًا بشكل خطير بعد عمليّة “طوفان الأقصى” التي نفّذتها كتائب “القسّام” في السّابع من شهر تشرين أوّل أكتوبر الماضي، ولذلك تُحاول إنقاذها قبل فوات الأوان، وعبر القنوات الدبلوماسيّة، ولكن حالة الغُرور والغطرسة التي تُسيطر على حكّام تل أبيب ترفض الاعتراف بهذه الحقيقة، وبدأوا يشنّون حملةً من التّطاول على الولايات المتحدة الأمريكيّة ورئيسها التي لم تعد “تبصم” على جميع مواقفهم وسياساتهم وحُروبهم دون نقاش في مُحاولةٍ لإنقاذ نفسها بعد أن وصلت سكّين المُقاومة إلى عُنقها.
مُجرّد حديث الإدارة الأمريكيّة عن قيام دولة فِلسطينيّة “ورقيّة” منزوعة السّلاح أصاب الإسرائيليين بحالةٍ من “السعار”، أو “العِواء” بالأحرى، خَوفًا ورُعبًا من ما يرونه ببدايةِ تغيّر في الموقف الأمريكي ولو جُزئيًّا.
***
نضرب مثالًا على هذا “العِواء” المصحوب بالتّطاول الوقح على الرئيس الأمريكي جو بايدن الأكثر صهيونيّة من الصّهاينة أنفسهم، بما قاله أمس تسفيكا قوغل رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست (البرلمان) في حديثٍ للقناة 12 شبه الرسميّة، وننقل هُنا حرفيًّا “نحن لسنا تحت الانتداب البريطاني، ولسنا النّجمة 51 في العلم الأمريكي، نحن في دولة إسرائيل التي مُنحت للشعب اليهودي”، وأضاف “كل ما يقوله جو بايدن ووزير الخارجيّة البريطاني ديفيد كاميرون حول الدولة الفِلسطينيّة يُشكّل تهديدًا لوجود الدولة اليهوديّة”.
أما كاميرون، الذي تعرّض أيضًا لهجمةٍ صُهيونيّةٍ أكثر شراسة، دخل المنطقة الحمراء المُحرّمة بالنسبة للإسرائيليين، وربّما للمرّة الأولى مُنذ إنشاء دولة الاحتلال، عندما قال “إن هذه الدولة باتت غير قادرة على حماية مُواطنيها، ولا بد من حل يؤدي إلى دولة فِلسطينيّة منزوعة السّلاح، ودُونَ مُشاركة “حماس فيها”.
ما قاله كاميرون يعرفه الصّهاينة في داخل “إسرائيل”، أو في مُعظم أنحاء العالم، ولكن أن يخرج من وزير خارجيّة (بريطانيا العُظمى) فهذا مُحرّمٌ لأنه وضع أُصبعه على العصب والإخفاق الحقيقيين الذي لا يُريد الإسرائيليّون الاعتراف به، وهو نجاحُ كتائب “القسام”، ولأوّل مرّة في تاريخ الصّراع، من القيام بعمليّة مُتقنة الإعداد في العمق الإسرائيلي المُحتل، وقتل أكثر من 1200 إسرائيلي وإصابة الالاف منهم، والقتل والتجويع والتدمير بات حِكرًا لهم، وما على الآخرين سوى الاستِسلام والشّكر، الأمر الذي يعني أن هذه الدّولة وجيشها التي يحتلّ المرتبة الرابعة عالميًّا من حيث القوّة والتّسليح، فقدت الهيبة، والرّدع، والأمن والاستقرار، والاقتصاد القوي، ولم تعد قادرة على حماية مُستوطنيها، حيث تُواجه عدّة جبهات مفتوحة في غزة والضفّة وجنوب لبنان.
ردّنا على هذا المُستوطن “المنفوخ” تسفيكا قوغل، رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست، وحليفه بن غفير بالقول، إنكم كنتم، وما زلتم، تحت الانتداب البريطاني، والنّجمة 51 في العلم الأمريكي، وهاتان الدّولتان الاستعماريّتان (بريطانيا وأمريكا) هُما اللّتان منحتا فِلسطين المُحتلّة لليهود لإقامة دولتهم، وليس الرب، ولولاهما وحمايتهما لما استمرّت في البقاء 75 عامًا، ونحمد الله أنهما يُكافآن بالعُقوق ونُكران الجميل.
عندما يتحرّك بايدن، ويُرسل وزير خارجيّته اليهودي أنتوني بلينكن، (للمرّة الخامسة) ووزير دفاعه لويد أوستن، ومُستشاره للأمن القومي إلى المِنطقة العربيّة، ولعدّة مرّات في أقل من أربعة أشهر، فإنّه يفعل ذلك ليس لإنقاذ “إسرائيل” من نفسها فقط، وإنّما لإنقاذ الولايات المتحدة من هزيمةٍ كُبرى قادمة ووشيكة في المنطقة انطلاقًا من قطاع غزة، حيث تتورّط حاليًّا (أمريكا) في اليمن والعِراق، وباتت سُفنها وقواعِدها صيدًا دسمًا لصواريخ ومُسيّرات المُقاومة في البلدين حيث دقّت ساعة الثّأر.
أمريكا أرسلت طائراتها القاذفة العملاقة “B 52” لقصف أهداف تابعة للحشد الشعبي في العراق ردًّا على مقتل ثلاثة جُنود أمريكيين في هُجومٍ للمُقاومة على قاعدة أمريكيّة في الأردن، ممّا أدّى إلى استشهاد أكثر من 25 عِراقيًّا وإصابة العشرات.
نسأل هل نسيت أمريكا ورئيسها بايدن، الذي كان من أكثر المُشرّعين (كان عُضو مجلس الشيوخ) تحريضًا على غزو العِراق واحتِلاله وتقسيمه، ونهب ثرواته، أن بلاده قتلت أكثر من مِليونين من العِراقيين جُوعًا، أو بالقذائف المنضضة باليورانيوم، والقصف الوحشي، (ملجأ العامرية)، فلماذا يحق لأمريكا الثأر لثلاثة قتلى ولا يحقّ للعِراقيين الثّأر لمقتلِ مِليونين؟
أمريكا التي كانت تُعارض بقوّة توسيع دائرة حرب غزة، ها هي تقوم بما نهت عنه، وحذّرت منه، وتفتح جبهات في عدّة دُول بغاراتها، ومجازرها، وتُحوّل مِنطقة الشّرق الأوسط كلّها إلى ميادين حرب، وفوضى دمويّة، وكُل هذا من أجل “إسرائيل” وتأييد حرب إبادتها وتطهيرها العِرقي في قطاع غزة والضفّة الغربيّة، واحتِقارًا للعرب والمُسلمين.
كيف ننسى كعربٍ ومسلمين، الفوضى الأمريكيّة الخلّاقة، وتفكيك سورية، وليبيا، واليمن، وقتل أكثر من نِصف مِليون في الأولى (سورية) و50 ألفًا في الثانية (ليبيا)، وتحويل مُعظم الدّول العربيّة إلى دُولٍ فاشلةٍ غارقةٍ في الفساد والدّيون، ورهينة لصندوق النقد الدولي.
***
ختامًا نقول إننا لا نثق مُطلقًا بأيّ حُلولٍ أو مُبادرات أمريكيّة تحت عُنوان صفقات تبادل الأسرى والهدن، ولا ننخدع مُطلقًا بأيّ حديثٍ عن وجود خِلافٍ أمريكي إسرائيلي، وإذا وُجِد فعلًا نتمنّى أن يتفاقم، فتل أبيب هي التي تحكم أمريكا الآن، وتتحكّم برئيسها عبر أذرعها الصهيونيّة المُتغلغلة في الإدارة الأمريكيّة ومُؤسّساتها، والشّيء نفسه يُقال عن بريطانيا العجوز.
أمريكا التي تتعرّض حاليًّا لهُجومٍ وقحٍ من قبل نتنياهو وحُلفائه في الحُكومة هي التي أنقذت دولة الاحتلال من الهزيمة حتّى الآن بإرسال 2000 جُندي، وأقامت جسرًا جويًّا لنقل القذائف والصّواريخ والطّائرات إليها، بعد انهِيار جيشها وهزيمته أمام أبطال المُقاومة في جميع الجبهات.
“إسرائيل” انهزمت وتقترب من نهايتها، وتقود أمريكا إلى هزيمةٍ أكبر على أيدي رجال المُقاومة في اليمن والعِراق ولبنان وسورية، لأنّها لا تعرف القِيادات وصلابة الأجيال الجديدة.. والأيّام بيننا.