كيف ستكون رَفحْ غدًا.. معبرًا للانتصار أم التهجير؟
كتب / السفير الدكتور جواد الهنداوي
ستدخلُ رفح التاريخ غداً ،ولكن بأي عنوان؟
مصيرها بين يدي محور المقاومة ومحور الابادة (إسرائيل وامريكا وداعيمهما بالسلاح والمال و التعاون والتسهيلات). لم يعّدْ مصير رفح مرهوناً بالمقاومة في غزّة فقط، وانما بمحور المقاومة .فهل يسمح محور المقاومة ان تكون رَفحْ معبراً للتهجير من غزّة إلى سيناء؟ هل يسمحُ محور المقاومة ان تكون رفح معبراً لتصفيّة القضيّة الفلسطينية وفقاً لرؤية محور الابادة؟
لا أظّنُ ذلك .
بدأت إسرائيل بقيادة ماكنة الابادة الجماعية من الشمال وبالتدريج نحو الجنوب و أقصى الجنوب (خان يونس)، حتى وصلت اليوم إلى رفح مستهدفة تكدّس وتجمّع المدنيين ،والذي يتجاوز عددهم مليون ونصف مليون مواطن ،جلّهم من الأطفال والنساء و الشيوخ. همُ اليوم ( واقصد الغزاويين) في رفح ،تفصلهم مسافة 100 متر عن حدود مصر ،عن رفح المصريّة . وتعتزم إسرائيل استهدافهم قصفاً وقتلاً وتجويعا ،والمطلوب هو طردهم قسراً وتحت تهديد السلاح للعبور إلى رفح المصرية.
نجحت إسرائيل في قتل المدنيين وفي تدمير ممتلكاتهم و إجبارهم على الرحيل من الشمال إلى الجنوب، ولكنها فشلت في تحقيق اهدافها (تحرير أسراها والقضاء على المقاومة وحماس)، وانفضحت دولياً وقضائياًوشعبياً بجرائمهما. اليوم ،يوم الحسم والقرار: نجاح إسرائيل في تهجير الغزاويين إلى سيناء عبر رَفحْ، وتحت وابل القصف، ستكون له دلالات عديدة؛ أولها هو اتفاق إسرائيلي أمريكي غربي على افراغ غزّة وتهجير سكانها، وتواطئ الجميع مع هدف التهجير، و صادقاً نتنياهو في قوله “إذا لم ندخل رفح سنخسر الحرب”، لانه يجد نجاحة في تهجير سكّان غزّة !
أمتناع دول العالم و الامم المتحدة و مجلس الامن عن اتخاذ اجراء عاجل وحاسم، سياسي او عسكري، يُلزِمْ إسرائيل بعدم شّنْ هجوم على رفح ،يعني قبول دول العالم والامم المتحدة ومجلس الامن بالهدف الذي تسعى له إسرائيل، إلا وهو تهجير سكّان غزّة.
تصميم نتنياهو على دخول جيش الكيان رفح، وتكرار تصريحاته لتفيذ هذا الدخول، تزامناً مع تهديداته المتكرّرة أيضاً بشّنْ حرب في شمال فلسطين (جنوب لبنان) مؤشر على وجود تفاهم مُسبق مع الادارة الأمريكية ،ومع دول أخرى على جدّية هذا المخطط ، وتنفيذه او عدم تنفيذه مرهون بتحقيق هدنة، شروطها مقبولة لنتنياهو.
فواعل محور المقاومة ليسوا بغافلين عن مُجريات الاحداث وعن واستشرافاتها ومآلاتها، وسيكون من العجب تركهم جيش الاحتلال وهو يقوم بتهجير سكان غزّة، عبر معبر رفح، اي تركهم نتنياهو يحقّق انتصار سياسي استراتيجي، لطالما حَلُمَ به اكثر قادة اسرائيل إجراماً (شارون).
زيارة وزير خارجية أيران إلى لبنان ولقاءاته مع اصحاب الشأن (رئيس الوزراء ،رئيس مجلس النواب، الامين العام لحزب الله)، وكذلك زيارته إلى سوريّة ، وفي هذا الظرف والتوقيت هما مؤشر آخر على قُرب قرار الحسمْ ؛ الغزاويين على باب الهجرة (رَفحْ)، وجبهة الجنوب في حالة تصعيد واتقاد، ومن كلا الطرفين ( العدو المحتل، ومقاتلي الحزب والمقاومة). هل يُقدِم نتنياهو على دخول رفح، وارتكاب مجزرة او مجزرتيّن ،لتُفتح ابواب المعبر من قبل مصر ،لعبور الأطفال و النساء والمُسنين، ومن ثّمَ الجميع، وتحت يافطة “إنقاذ المدنيين”؟ هذا ما اتوقعّه ،للأسف . وسؤال آخر يقترنُ بالسؤال المذكور توّاً هل سيُقدِمْ نتنياهو، في ذات الوقت ، على شّنْ الحرب على لبنان ، لتمرير تهجير سكان غزّة ، وليكون جيش الاحتلال صاحب المبادرة في المعركة؟
اقدام او عدم اقدام نتنياهو على شّنْ حرب على لبنان مرهون بتطورات وتفصيلات ما سيحدث في رفح .والعدو، على ما يبدوا، اخذَ في حساباته كل الاحتمالات ،مرّجحاً احتمال كبير للجوء إلى حرب في شمال فلسطين.
ما يستحقُ المعرفة و الاستشراف هو موقف أيران ، ففي التصريحات الرسمية الإيرانية نكهة التهدئة وعدم الذهاب إلى خيار توسيع الحرب ،وهذا ما جاء ايضاً على لسان السيد وزير خارجية إيران خلال زيارته يوم امس للبنان، ولا يُخفي الإيرانيون تمريرهم رسائل إلى الادارة الأمريكية عبر وسطاء بعدم رغبة إيران بتوسيع الحرب في المنطقة ،و الادارة الامريكة تبادل ايران ذات الرغبة . وتتبادل إيران والمملكة العربية السعودية الاراء والاتصالات من اجل انهاء الحرب في غزة ،وبذل المساعي والجهود للحيلولة دون توسيع الحرب.
هل هدف هذه الجهود والمساعي هو لكي تمارس الادارة الامريكية دورها المطلوب، من اجل ثني نتنياهو من اعطاء اوامره للجيش بدخول رَفحْ؟ ام أنَّ التصريحات الدبلوماسية والهادئة قد لا تتطابق مع النوايا؟
جميع الفواعل وفي كلا المحوريّن (محور الابادة و محور المقاومة) هم صراحة في ورطة ،باستثناء قيادة حماس الميدانية في غزّة، همّها الاول والأخير القتال ،حقّقوا النصر ودفعوا وشعبهم الثمن وبانتظار الشهادة. فرضوا شروطهم للهدنة وواثقون من موقفهم.
ساعة الحسم والتي ستتجلى اما بالتهجير ،تحت وابل القصف والتآمر، وأمّا بالصمود والتضحيّة والبقاء، وما سيحدث في هذه الساعة من وقائع و تطورات ، ستميط اللثام عن حقيقة المواقف ،وسيدّون التاريخ ذلك .