العلوم الانسانية والسير نحو الاندثار!
كتب / عامر ممدوح
تواجهنا ليل نهار مئات المشاكل والأزمات، على جميع المستويات فردأ ومجتمعاً خاصاً أو عاماً ودولة وأمة باكملها.
وهذه المشاكل بعمومها لا تحلها علوم الفيزياء ولا الرياضيات ولا غيرها مع إدراك أهمية تلك الاختصاصات في تأسيس وتنمية الحضارات، ولكنها غالبية الحلول تنتظر تحليل علم النفس ودراسات علم الاجتماع وخبرات التاريخ المتراكمة وفتوى العالم الثبت الذي يستوعب روح الشريعة الغراء ويقدمها بفهم معاصر.
ولكن بإزاء تلك الأهمية المنظورة لا نجد اهتماماً حقيقياً بتلك العلوم، ولا أبالغ ان قلت أن ذلك من أبرز أسباب فقدان القدرة على وصف العلاج المطلوب لهذه الأزمة أو تلك، فيبالغ في الترقيع والمداراة مرة وننحاز إلى أقصى الأطراف مرة أخرى ونغمض أعيننا مرة ثالثة متوهمين أن الزمن لوحده دون فعل منّا هو المسؤول عن تقديم العلاج!!
ان اهمال الدراسات الانسانية عامة والتاريخ والفلسفة والاجتماع وعلم النفس خاصة يترك ضرراً معرفياً كبيراً تضمحل معه القابلية على قراءة الواقع واستشراف المستقبل وعلاج الخلل، ولا نقصدهنا الكم العددي للمتخصصين فيها، بل انتاج العلماء القادرين على ابداء الرأي وتقديم النصح والمشورة وبناء التصورات والنظريات.
ولو نظرنا إلى الغرب سنجده يعلي من شأن ذلك كله ويتفوق في معرفة خبايا النفوس والمجتمعات للهيمنة عليها، وبالتالي فهو يؤسس للقابلية على الانتاج ويوظف ذلك كله لخدمة مشاريعه، ولا يتقاطع مع ذلك حالة التدهور النفسي والمجتمعي التي يعيشها أفراده بشكل صارخ فذلك نتاج طبيعي للفصام النكد مع رسالة ونور السماء وانعكاس لمخاصمة الفطرة التي تأسست عليها الحضارة الغربية.
والمهم لدينا هنا أن اندثار العلوم الانسانية الآخذ بالاتساع يظهر في تغليب سطحية المعرفة وغياب الاستثمار وغلق منافذ التطوير، يبين ذلك التركيز على أفواج المتعلمين دون فهم وإدراك حقيقي لجوهر تلك العلوم، ورميهم وسط مجتمع لا يدرك أهمية تخصصاتهم ناهيك عن عدم وجود فرص لتفريغ المعرفة بشكل عملي وجاد، وانتهاءً بجعل مراكز البحوث والدراسات منافي للمعاقبين من المختصين أو وسيلة للهروب من الالتزامات وعلى نحو غير مسبوق من الإمعان في طمس تلك المعارف الضرورية في بناء الدول ونهضة الأوطان.
لذلك ومثل غيرها من الملفات التي ما تزال معلقة وشائكة وسائرة نحو الاضمحلال، نحتاج هنا إلى خطة وطنية متكاملة للنهوض بتلك العلوم، إلى بنائها مجدداً وفق منظور ينمي العقول ويستثمرها ويمنحها القدرة على جعلها معرفة عملية وايجابية وقادرة على التكامل مع بعضها، وحينها فقط نستطيع القول أننا نتملك كوادر حقيقية قادرة على امتلاك زمام المبادرة في الادارة ورسم خارطة الطريق للمستقبل المنشود.