الدّهاء الروسي “البُوتيني”... والغباء الأمريكي “البايدني”؟
كتب / عبد الباري عطوان
روسيا تتمدّد عسكريًّا، واقتصاديًّا، في مِنطقة الشّرق الأوسط بينما الولايات المتحدة تنكمش وبشكلٍ مُتسارع في مُعظم دُول المِنطقة، والفضل في ذلك يعود إلى دهاءِ خُصومها، وخاصّةً الروس، وغطرستها، وقِصَر نظرها، ووضعها لكُل بيضها الاستراتيجي في سلّة دولة الاحتِلال الإسرائيلي، والأخطر من ذلك تورّطها في حُروبٍ، وخاصّةً في اليمن والعِراق، قد تُؤدّي في المُستقبل المنظور لتفكيك قواعدها العسكريّة، ورحيل جميع قوّاتها وأساطيلها عن مِياه المِنطقة مكسورة الجناح، ومُنكّسة الرّؤوس.
الفشل الأكبر للولايات المتحدة يتمثّل في النّتائج العكسيّة المُترتّبة على حِصاراتها التي بالغت في فرضها على بعض دول المِنطقة، وخاصّةً إيران وبدرجةٍ أقل في اليمن وسورية، والدّليل الأبرز في هذا المِضمار نجاح الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة في كسر الحِصار المفروض على بلادها بتطويرِ صِناعاتها العسكريّة والمدنيّة، وبناء برنامج نووي جعل منها دولة حافّة نوويّة، وامتِلاك القُدرات العمليّة والماديّة لتطوير قنابل ذريّة في أقل من بضعة أسابيع إذا ما جرى مُراجعة الفتوى التي تُحرّم هذه الخطوة.
***
بالأمس أكّدت ستّة مصادر لوكالة رويترز العالميّة للأنباء تزويد إيران لروسيا بشُحناتٍ من الصّواريخ الباليستيّة الدّقيقة من عائلة “فاتح 110” مِثل الصّاروخ “ذو الفقار” الذي يُمكن أن يُصيب أهدافه على بُعدٍ يتراوح بين 300 إلى 700 كيلومتر.
وكشفت الوكالة نقلًا عن المصادر نفسها أن عدّة شُحنات من هذه الصّواريخ التي يبلغ تِعدادها 400 صاروخ، وصلت بالفِعل إلى موسكو سواءً عبر الجو أو بحر قزوين، وسيتم شحن المزيد في الأسابيع القليلة المُقبلة.
من الطّبيعي أن يُثير هذا التّعاون بين البلدين المُحاصَرين أمريكيًّا قلق إدارة الرئيس بايدن وحُلفائه في أوروبا ودُول العالم الغربي الأُخرى، خاصّةً في هذا الوقت الذي تحقّق فيه روسيا انتصارات كبيرة في حرب أوكرانيا تُمكّنها من تعزيز سيطرتها وضمّها للأقاليم الخمس في جنوب وشرق أوكرانيا (دونباس)، علاوةً على شِبه جزيرة القِرم.
إيران، وبسبب الحِصار والعُقوبات الأمريكيّة حسمت موقفها من اليوم الأوّل في الحرب الأوكرانيّة التي دخلت عامَها الثالث، وقرّرت الوقوف في الخندق الروسي، عمليًّا وليس لفظيًّا، عندما باعت الجيش الروسي طائرات مُسيّرة تُعتَبر واحدة من الأكثر تطوّرًا في العالم بأسْرِه، وها هي تنجد حليفها الروسي بتزويده بالصّواريخ الباليستيّة، وتعويض ترسانته من هذا النّوع الدّقيق والمُتطوّر.
الأذرع العسكريّة الحليفة لإيران باتت تُقدّم خدمة عسكريّة لا تُقدّر بثمن لروسيا، من خِلال إشغال أمريكا في حُروبِ استنزافٍ اقتصاديّة وعسكريّة عالية التّكاليف، فالقوّات البحريّة اليمنيّة باتت تقصف السّفن الحربيّة الأمريكيّة بشكلٍ شِبه يومي في البحرين العرب والأحمر وباب المندب، أمّا قوّات الحشد الشعبي فتتكفّل بقصف القواعد الأمريكيّة في العِراق وسورية، وربّما قريبًا في الأردن.
إيران، اتّفقنا معها أو اختلفنا، باتت القُوّة الإقليميّة الأعظم في المِنطقة، ومصدر التّهديد الرّئيسي للنّفوذ الأمريكي والإسرائيلي، والمُتحكّم القويّ في المنافذ البحريّة الاستراتيجيّة العالميّة مِثل مضيق هرمز وباب المندب وربّما قريبًا مضيق جبل طارق في فم البحر الأبيض المتوسط عبر شبكة تحالفاتها القويّة والفاعلة، والمُعادية للغطرسة الأمريكيّة.
***
لا نعتقد أن هذا التّعاون العسكري الروسي الإيراني المُتصاعد طريقٌ من اتّجاهٍ واحد، أيّ من طِهران إلى موسكو، ومن المُؤكّد أن المُقابل الذي ستفوز به إيران سيتمثّل في استيراد تكنولوجيا السّلاح المُتطوّر جدًّا، مِثل منظومة “سوخوي” المُتعدّدة الأنواع، وربّما التّكنولوجيا النوويّة المدنيّة والعسكريّة أيضًا، فلا شيء بُدون مُقابل هذه الأيّام على صعيد التّعاطي بين الدّول.
التّحالف الإيراني- الروسي يُعطي ثِماره انتصارًا في حرب أوكرانيا، بينما التّحالف الأمريكي- الإسرائيلي بات يُشكّل سلسلةً من الهزائم والخسائر في قطاع غزة، وقريبًا جدًّا في اليمن، ولبنان، والعِراق.. والأيّام بيننا.