حرامية زمن الديمقراطية
كتب / سمير داود حنوش
لم تعد أخبار الفساد والمفسدين تُشعل الأجواء إعلامياً وشعبياً بين العراقيين، وتزدحم المنصات ومواقع التواصل الإجتماعي بهجمات من التعليقات والبيانات المحتجة بعد أن وصلت غالبيته إلى حالة جمود غريب ولامبالاة في ردود الأفعال تجاه ملفات الفساد التي تُثار بين الحين والآخر.
ربما لأنهم أدركوا إن قضايا الفساد لن تنتهي حكاياتها، فما إن يُصبح أحدهم على قضية حتى يُمسي على قصة أخرى من قصص الفاسدين أو هو الإعتقاد الذي وصلوا إليه أن المعادلة ستظل دائماً مقلوبة كما هي، ثروة الشعب وخيراته في خدمة السلطة ورجالها.
صحيح أن الفساد أصبح شبحاً، وأصبحت من “أين لك هذا؟” كلمات نتغنّى بها لأطفالنا بعد أن أصبح أبطال الفساد في الوطن مواطنين في درجة الآلهة.
وصحيح كذلك أنهم لم يقوموا بحملات إحتلال ونهب كما يفعل المحتل الخارجي، إلّا أننا نعترف بأنهم تفوقوا على جميع أنواع اللصوص، حين إحترفوا مفهوم اللصوصية المحلية عبر إستنزاف المال العام تاركين شعبهم في قاع صفصف.
في غفلة من هذا الزمن تم تأميم أموالنا وخيراتنا على يد حرامية الوطن وسُراقه، الذين إتقنوا الكيفية والمشروعية للسرقة التي توزعت بين الأجنبي الذي يسرق خيرات الشعوب وبين “حرامي البيت” الذي جعل مسروقاته مُلكاً صِرفاً لعائلته ومحيطيه.
تتحدث الحكايات الشعبية في التقاليد الموروثة عن شروط الحرامي أن يكون “إبن ليل” أو “زِلمة”، مما ألقى ظلاله على الممارسات السياسية التي جعلت من الفاسدين اليوم أبطالاً محليين في كثير من الأحيان أو كرموز للرجولة والشجاعة، فلا غرابة أن تجد أغلب اللصوص وهم يُجيدون فنون التبرير لأفعالهم بالشطارة أو الفهلوة جعلتهم يسرقون الوطن بأكمله في وضح النهار دون أن يرتعش لهم جفن.
أخطر أنواع اللصوص هو ذلك الذي يعيش بين الشعب ويأكل من خيراته لكنه يتمتع بيد خفيفة ومباركة كما يعتقد هو وحاشيته ومن يُشجعهم، والأنكى أننا نلوم ذلك الغريب الأجنبي الذي ينهبنا بينما نتجاهل أو نستغفل عن الحرامي “المحلي” الذي يشاركنا مناسبات سب ولعن المحتل، بل قد يوجه أنظار الناس إلى الفاعل الخارجي لصب كل اللعنات عليه لتنشغل عن مصائبها بصد المؤامرات الخارجية ودسائس ما وراء الحدود وتنسى أن حرامي البيت يكون أخطر أنواع اللصوص وربما أصعبها.
أصبح سُرّاق الوطن يتغنّون بالشعارات والإبتهالات لمحاربة المحتل والإستعمار العالمي حتى أصبحت تلك الشعارات صلوات وأدعية نتلوها كل يوم، في حين راح الوطن يُباع بالتفصيخ وسرقات ممنهجة توجب على الأجيال اللاحقة دفع أثمان هذه الرعونة.
“حاميها حراميها” هكذا يردد العراقيين عن بعض السياسيين الذين يرفعون الشعارات الفارغة على المنصات الإعلامية لِيُريحوا ضمائرهم بعض الوقت في ذم النهب والفساد ومن ثم يعاودوا دورة الحياة في السرقات.
في مُخيلة الكثير من هؤلاء تطفو حقيقة أو تبرير يقول “أسرق وطنك بدلاً من أن يسرقه المحتل” وهو تفسير لا يوجد له معنى في كل القواميس الطبيعية وحتى القوانين السماوية.
لصوص الوطن يصعب الإحتماء منهم أو فرزهم لانهم يعيشون بيننا ويأكلون من طعامنا ويجيدون السرقة بإحترافية عالية، يكفي منهم أن يوفر أحدهم للبسطاء والمساكين مولدة كهرباء أو يساهم في تبليط شارع أو ترميم منزل مدفوع الثمن من النهب ليحظى بشعارات وهتافات وحتى دعم وتأييد للناس الذين سيتغاضون عما يسرقه لاحقاً.
معادلة تحتاج إلى إحصائيات من مراكز بحوث تُحصي أعداد السُرّاق والنُّهاب في البلد ممن تجاوزت ثرواتهم المليارات، وما أكثرهم، لكن يبقى ما هو الأهم وهو من يتجرأ أن يتحرش بهؤلاء؟.