احترموا عُقولنا “غانتس هاريس مسرحية أمريكيّة رّديئة الإعداد والتّمثيل!
كتب / عبد الباري عطوان
أرجوكم احترموا عُقولنا فنحنُ لسنا على هذه الدّرجة من الغباء حتى نُصدّق مسرحيّاتكم الكُوميديّة المُملّة وسيّئة الإعداد، وهابطة الإخراج والتّمثيل.
نحن نتحدّث هُنا عن هذه الضجّة الأمريكيّة المُفتعلة والمُتصاعدة حول بعض الحركات التي تُحاول عكس وجود خِلافات بين إدارة الرئيس جو بايدن والحُكومة الإسرائيليّة التي يتزعّمها بنيامين نتنياهو وكُتلة اللّيكود اليمينيّة التي تدعمه، وحرب الإبادة والتّطهير العِرقي التي يُنفّذها جيشه مُنذ خمسة أشهر ضدّ أهلنا في قطاع غزة، ومن المُؤسف أن بعض العرب، وخاصَّةً في قمّة السّلطة انخَدعوا بها، وعملوا على التّرويج لها، وبناءِ الآمال عليها، عبر وسائل إعلامهم.
إذا كان بايدن جادا في مواقفه هذه، وهو ليس كذلك، فأبسط خطوة يُمكن اتّخاذها هي إرسال حاملات الطّائرات إلى شواطئ غزة مُحمّلة بالمُساعدات الإنسانيّة، ووقف كُل صفقات الأسلحة للكيان الإسرائيلي، ولكنّه وهو الذي لم يتلفّظ حتّى هذه اللّحظة بعبارة “وقف إطلاق النّار”، واستخدم الفيتو في مجلس الأمن لوأدِ مشروع قرار جزائري في هذا الصّدد، إنّه مُمثّلٌ رديءٌ جدًّا، ويتفوّق على نتنياهو في فُنون الكذب والتّضليل والضّحك على الذّقون، ذُقون حُلفائه الحُكّام العرب خاصّة.
***
هذه الضجّة المُفتعلة التي جرى تضخيمها، وتتمثّل في لقاء السيّدة كاميلا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي ببني غانتس الوزير الإسرائيلي في حُكومة نتنياهو، ودُون استِئذان رئيسه، لا تدلّ على قوّة إدارة بايدن، وإنّما ضعفها، وعجزها عن مُواجهة رأس الأفعى، نتنياهو وحُكومته بطريقةٍ مُباشرة، وبدلًا من ذلك لجأت إلى الطّرق الالتفافيّة المفضوحة.
بني غانتس لا يختلف عن نتنياهو وإلّا لرفض الانضِمام إلى حُكومته، ومن ثمّ البقاء فيها لأكثر من خمسة أشهر، والمُصادقة على جميع مجازرها في حقّ الأبرياء في قطاع غزة والضفّة الغربيّة المُحتلّة، فقد تشابهت عليهم البقر.
ليس غانتس ودعوته إلى واشنطن من وراء ظهر رئيسه، الذي قوّض، ويُقوّض، حُكومة نتنياهو، وإنّما الصّمود الأسطوري لرجال المُقاومة، وقيادتهم في قطاع غزة، وبُطولاتهم وطُوفانهم الذي زلزل المشروع العُنصري الاستِيطاني الصّهيوني من جُذوره.
قُبول غانتس بالمُشاركة في حُكومة “وحدة وطنيّة”، وحُضور جميع جلسات مجلس الحرب المُصغّر، يعني وللوهلةِ الأولى، إنّه مُجرم حرب مُتورّط في سفك دماء 30 ألف شهيد فِلسطيني، وتدمير أكثر من 86 بالمئة من منازل قطاع غزة، وإصابة ما يزيد عن مئة ألف من أهل القطاع سيستشهد مُعظمهم لاحقًا لتدمير جميع المُستشفيات في القطاع تقريبًا، ومنع وصول الأدوية والمواد الطبّيّة إلى بعضها القليل الذي بقي شِبه مُدمّر، ومن الخطأ، بل الإجرام، أن يجري تقديم هذا الرّجل كحمامة سلام أو حملٍ وديع.
غانتس مُجرم حرب ومُحاولة الإدارة الأمريكيّة “تحسين” صُورته، وغسَل يديه من دِماءِ أطفال غزة جريمة أمريكيّة على أعلى المُستويات، هذا الجنرال يجب أن يُقدّم إلى محاكم جرائم الحرب وضدّ الإنسانيّة مِثل كُل أمثاله النّازيين في العالم لينال العِقاب الذي يستحق، فمعركتنا كفِلسطينيين ليست مع نتنياهو وحزبه، وإنّما مع مشروعٍ استئصاليٍّ عُنصريٍّ انتهك أرضنا وأعراضنا وسفك دماءنا.
نستغرب أنّ البعض يُشيد بتصريحات السيّدة كاميلا هاريس التي يُقال إنها أعربت فيها لغانتس وبعد خمسة أشهر من الإبادة و”تحدّثت فيها عن قلقها العميق إزاء الأوضاع الإنسانيّة في قطاع غزة، وحثّت إسرائيل على اتّخاذ إجراءات إضافيّة لزيادة تدفّق المُساعدات إلى القطاع المُحاصر”، واكتفت بالتّحذير من اجتِياح مدينة رفح “إلّا في حالة وجود خطّة إنسانيّة يتم التّعويل عليها قبل أيّ عمليّة عسكريّة هُناك”، فما الجديد هُنا الذي يستحق الثّناء، وهل فتحت السيّدة هاريس مكّة بهذه الكلمات؟
إدارة الرئيس بايدن هذه مِثل رئيسها، تُعتبر الأكثر صُهيونيّةً في تاريخ أمريكا، ويُسيطِر عليها نتنياهو وجميع مفاصِلها كُلِّيًّا، من خِلال تلاميذ هنري كيسنجر، وعلى رأسهم وزير الخارجيّة الأمريكي أنتوني بلينكن، وعاموس هوكشتاين، وخمسة آخرين يتحكّمون بالوزارات الكُبرى مِثل الماليّة والقائمة تطول.
ولا ننسَ في هذه العُجالة الوثائق التي كشفت أحاديث للمُعلّم الصّهيوني الأكبر (كيسنجر) أنه ظل طوال فترة وجوده في السّلطة وخارجها يعمل لصالح “إسرائيل” بما في ذلك الجسر الجوّي الذي أقامه لإنقاذها في حرب أكتوبر.
***
لو كانَ بايدن جادًّا فِعلًا في مواقف إدارته على ضآلتها، لأدلى بهذه الانتِقادات لدولة الاحتلال، والتي اقتصرت فقط على المُساعدات الإنسانيّة، لعقد مُؤتمرًا صحافيًّا وقالها بنفسه، وليس عبر السيّدة هاريس نائبته التي أخرجها من قبر النّسيان والتّهميش للقيام بهذه المَهمّة، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود.
أمريكا مُشاركة في حرب سفك الدّماء هذه، وتتحمّل المسؤوليّة الأكبر في حرب الإبادة والتّطهير العِرقي في غزة، وانفضحت كُل ادّعاءاتها حول الديمقراطيّة وحُقوق الإنسان، وباتت تعيش عُزلةً عالميّة، وغزّة مثلما أوصلت جورج غالاوي إلى البرلمان رُغمًا عن “سوناك” رئيس الوزراء وزعيم حزب المُحافظين، وزعيم المُعارضة المُتصهين كير ستارمر ستُسقِط بايدن وحزبه الدّيمقراطي في الانتِخابات المُقبلة، والحبْلُ على الجرّار.
الأُسلوب الوحيد، والأنجع، للتّعاطي مع أمريكا وإسرائيل هو لغة القُوّة، التي يُجيدها أشقّاؤنا في اليمن، ويستخدمونها بشجاعةٍ ورُجولةٍ وإقدام غير مسبوقة، بقصف سُفنها وحُلفائها في البحرين الأحمر والعربي، وإذا كانَ هُناك تراجعٌ من قِبَل إدارة بايدن فبسبب هؤلاء الرّجال الرّجال وتضامنهم “الصّاروخي” العملي مع ضحايا المجازر والمجاعات في القطاع الصّامد البطل، فمن يَجرُؤ في العالم، بدُوله العُظمى أو الصّغرى، أن يتحدّى أمريكا عسكريًّا غير “أبو يمن” العظيم؟