بالمجان .. أطفالنا يصابون بالإدمان
كتب / د. باسل العبيدي
يعرف الإدمان (Addiction ) بأنه إصرار الفرد على التمسك لممارسة سلوكيات مرفوضة بموجب الدين والعرف والقانون وغالبا ما تسبب أضرارا للأفراد والمجتمعات ، ويحصل الإدمان عند الاستسلام الجسدي والنفسي لعادة أو أدوية أو نشاط او ممارسات ، بحيث يصبح العيش متوقفاً عليها عضوياً خارجيا او داخليا ويصعب تركها مما يسبب اعتمادًا نفسيا وجسميا وتأثيرا ضارا ، ومع إن هذا التعريف ينطبق بشكل أساس على متعاطي المخدرات والمسكرات والمؤثرات العقلية وممن يكررون بعض العادات المنبوذة مثل السرقة والتحايل والغش والكذب والشذوذ ، فانه يمكن أن ينطبق على ممارسة باتت مألوفة في الكثير من عوائلنا الكريمة ، من حيث تعلق وتعود الأطفال بشكل ملحوظ على استخدام الأجهزة الالكترونية ومنها الموبايل والآي باد وما يتصل بها من تقنيات ، ومن الغريب إن هذه الممارسة أخذت تستخدمها او تلجا لها العوائل بهدف الترضية والترغيب عند الرضاعة والأكل والجلوس وفي الإلهاء للحد من الرفض والصريخ ومنع الإزعاج ، فحين بكاء الطفل او امتناعه عن القيام بنشاط معين يطلبه منه الوالدين وبالذات الأم فأنهم يستخدمون هذه الوسيلة على سبيل الأغراء ، وغالبا ما يتفاعل الأطفال مع هذه الوسيلة لان ما يبهرهم هو ما يعرض فيه من أشكال وألوان وأصوات وغيرها من المؤثرات ، ومن وقت لآخر يتحول الموضوع إلى عادة يصر الطفل لإحضارها إليه ، فالطفل من خلال تعلمه يعتاد على استخدامها ويصبح راغبا بها والعائلة تعتقد انه لا ضير من تكرار هذه الطريقة خاصة عندما يجدون إن الطفل يتفاعل معها بشكل ملحوظ و ( ايجابي ) في الرضاعة والأكل وتجنبه عن القيام ببعض الأعمال التي لا يريدون ممارستها داخل البيت او عند السفر او عند حضور اللقاءات والمناسبات ، وشيئا فشيئا تقوم العائلة بالتعرف على ما يفضله الطفل فيقدمون له ما يريد او يتعلم هو بنفسه كيفية ولوج الألعاب والأغاني وغيرها من الوسائل التي تلهيه وتظهر سعادته ، وأحيانا تعبر العائلة عن إعجابها بممارسته هذه الألعاب وبعضهم يعدها من علامات الذكاء ، حتى وان انطوت على شيء من العنف والاحتكاك كالمعارك والصدامات والحوادث والصراع بين والإنسان و الحيوانات وبقية الأشياء .
وأحيانا تتعرض العائلة إلى النقد من المقربين لتعويد أطفالهم على هذه العادات خاصة عندما يكون الطفل يهتم بشكل مفرط بما لديهم وكأنه لا يدرك من حوله رغم ما يبادلوه من حركات وإشارات ، ولكن العائلات تبرر ذلك بعدة مسوغات منها إنها تسمح لأطفالها باستخدام أنواع معينة من الألعاب او إنها تتعمد عزل الجهاز عن شبكة الانترنيت او استخدام القفل الأبوي وإشعار الجهاز بأنه مخصص للأطفال ليحجب عنهم بعض الألعاب والاتصالات ، وهناك عوائل لا تبالي في استخدام أطفالهم لأجهزة الخلوي الخاصة بهم رغم ما قد يسببه الأطفال من احراجات لهم ، حين يجرون اتصالات او يرسلون صور بشكل عشوائي مع الأرقام الموجودة في الجهاز كما إن انشغال الأمهات في المطبخ او بعمل منزلي يترك المجال للطفل في ضغط زر الإجابة منبهرا بنغمة الاتصال والأطفال بطبيعتهم سريعي التعلم والتقليد لمثل هذه الحركات البسيطة ، ومهما كانت الأعذار والتفسيرات بهذا الخصوص فإنها غير مقبولة لان تكرارها يؤدي إلى التعود الذي يمهد للإدمان عليها ، ومعظم العوائل لا يمتلكون التقنيات والأساليب لمنع الأطفال من التعود مما يدعوهم إلى سحب الجهاز وقيام الطفل بزيادة حدة البكاء ومن باب العطف او بسبب تدخل الآخرين تحت عنوان ( خطية ) او لحراجة الموقف يضطرون لإعطائهم الجهاز لتهدئة الطفل ، والبعض يستخدم العنف لردع الطفل من خلال الضرب او الصياح او بأية وسيلة تعبر عن التذمر وعدم السماح للطفل للحصول ما يريده بإرادته وكأنه تحدي بين الإرادات بين طفل يبلغ من العمر شهور او سنوات وإنسان كامل الأهلية ولكن تنقصه الخبرة للتعامل بمثل هذه الحالات ، فردع الطفل ربما يخلق عنده رد الفعل المشاكس بطريقة فطرية لان عقله غير متكامل لمن هم بأعمار صغيرة ، أما الأطفال الذين لديهم قدرات عقلية بسيطة بأعمار فوق الخمس سنوات فأنهم يلجئون إلى البديل باستعطاف الأب او العمات او الخالات سيما وان اغلب الناس باتت لديهم موبايلات ، وعندما لا يجد الطفل الداعم او البديل فانه تتكون لديه فكرة في التعود للحصول بنفسه على ما يريد ، ومثل هذه الأفكار قابلة للتخمر ولا يعلم أحدا موعد ظهور ردود الأفعال بخصوصها من حيث الزمان والمكان والبيئة ، وفي اغلب الحالات تكون العائلة هي الخاسرة من حيث بنيانها غير الصحيح كما قد يتعرض الطفل في وقت مبكر للشعور بالحرمان .
وفي اغلب الدراسات التي أجريت على المتعاطين والمدمنين على أنواع من الممنوعات ، وجد إن العامل الرئيسي المؤثر في ممارستها والتعود عليها هي البيئة والجماعة ، وإذا كانوا هؤلاء بأعمار يمكن أن يتأثروا بالحارة او المدرسة او النادي او المعارف والأصدقاء بأعمار قريبة او بعيدة عن أعمارهم ، فان ما نتحدث عليه هنا هم الأطفال الذي يلجا البعض لجعلهم مدمنين على استخدام الأجهزة الالكترونية وهي وان كانت بنيات صادقة وغير مقصودة إلا إنها من الممكن أن تزرع بذرة التعود والاستخدام غير الصحيح لتلك التقنيات ، والتي يمكن أن تطور حاجاتهم لأعقد من ذلك فيما بعد فالتعود بإصرار دون هضم أهمية ومضار ما يتعود عليه الفرد هو شروع بالانحراف ، لذا نرى أن أكثر الهدايا رواجا من حيث رغبة الأطفال في الحصول عليها في المناسبات وعند منحهم ما يحققوه من انجاز مثل النجاح في الروضة او المدرسة او بعد الشفاء من مرض او تعرض أسرهم لمواقف محزنة كالفقدان او الوفاة هو الآي باد او الموبايل ، والكثير من العوائل لا تدرك خطورة هذه الطلبات ليس من باب كلفها او كيفية الحفاظ عليها بل من باب كونها مشروع للتعود الذي يقود للإدمان في بيئة عراقية يقال إن المخدرات يمكن أن تباع في المدارس ومن قبل مروجين بمختلف الاعمار و بأثمان تقترب مما تغدق العائلة على أبنائها من مصاريف ، وينطبق ذات المثال على سواها من الانحرافات التي يمكن أن تتاح هنا او هناك من قبل ( أولاد الحرام ) ، وليس الهدف مما ذكرناه هو إخافة العوائل من عواقب ما تستخدم من أساليب في ترغيب الأطفال بحيث تحول الموبايل بديلا ( للملهية ) ويأكل الطفل طعامه بوضع ( الانبطاح ) حرصا منه على إكمال ما لديه من العاب ، وإنما لكي تدرك تلك العوائل الآثار والعواقب السلبية في تعويد أبنائهم باستخدام الطرق الخاطئة في ترضيتهم ، نعم إنها خاطئة وخطيرة واغلبها تمارس بسبب الجهل او الإهمال والتنصل ومن باب إيجاد ابسط الحلول كونها لا تراعي الآثار اللاحقة لمثل هذه المغريات ، وليس هناك من يقف بالضد من منح العطف والرعاية وتعويض الحنان لدى الأطفال ولكن بطريقة لا تؤدي لإصابتهم بالتوحد بشكل مبكر ، او انعزالهم عن آداب المائدة والطعام وذكر نعم الله عليهم بترديدهم بسم الله الرحمن الرحيم في نعومة إظفارهم عند بداية الطعام ، ولا ضير من استخدام مختلف الألعاب لأطفالنا بشكل عقلاني وصحيح ، ويجب أن تدرك العائلة الوقت المناسب لتركها والإقلاع عنها والعودة المناسبة للعادات والتقاليد المعتادة وجمع شمل العائلة ، دون ترك المجال لكي تنمو وتشكل عادة يتم الإدمان عليها بالمجان .