من الذي سيغير التاريخ.. الميناء العائم أم الشعوب التي ترفض الموت؟
كتب / خالد شـحام
تتصاعد حمى التأويلات والتصورات حول السيناريو المستجد على غزة بفكرة الميناء العائم الأمريكي الذي جادت به مخيلة العم سام بنسخته البايدينة ، ميناء عائم يٌزعَم بأنه سُيبنى لإنقاذ أهلنا في غزة من المجاعة التي صنعتها اليد الأمريكية بالمطلق ، مساعدة في ظاهرها صحوة ضمير مفاجئة وفي باطنها كبسولة صغيرة من سيانيد البوتاسيوم مبيتة بمهارة في الجزء الألذ من الطبخة ، كثير من التحليلات ترجح استخدام هذه الاستراتيجية كوسيلة متعددة الغايات من تهجيرطوعي ناعم للسكان ونقل مجموعات كبيرة منهم إلى جزيرة قبرص ومنها إلى وجهات مجهولة ومرتبة ، توفير نقطة حماية وإشراف بحرية للسيطرة على غزة وربما أكثر من غزة بالقوات الأمريكية بعد إفلاس الآلة العسكرية الصهيونية في الميدان ، الغاز الفلسطيني جزء ايضا من حسابات النفوذ الجيوسياسي ولا يمكن تحييده من عقلية راعي البقر ، هل كل ذلك وارد أم أن الميناء مجرد ورقة انتخابية يلعبها الرئيس في إحتفالية تهريجية دعائية قبل ان يلفظ أنفاسه الأخيرة التي ضيعها كلها في عدوانه على غزة ؟.
بادىء ذي بدء دعونا نفهم جيدا أن تشخيص موقف أية دولة أو هيئة من قضية العدوان على غزة لا تأتي من قراءة وسماع التصريحات والخطابات الرنانة ولا تأتي من هدايا وهبات تقدمها يد منقوعة بالدم ، بل تأتي من السلوك الحقيقي لهذه الدولة ، حيلة السلوك المزدوج السياسية لا يمكن أن تنطلي على شعبنا أو القيادة الحقيقية للشعب الفلسطيني ، أن الإدارة الأمريكية التي تفكر بدعم وإنقاذ أهل غزة من المجاعة وتعزف مقطوعة الإنسانية وتطرب آذاننا بانتقاد دويلة الكيان على سلوكها الإجرامي داخل القطاع لا يمكن أن تكون صادقة في هذا الإدعاء لأن ما يشخص حقيقتها هي المشاركة المباشرة الفاضحة جدا والوقحة في العدوان على غزة ،الحقيقة الواقعية أن هذا العداون على غزة وفي حساباته النهائية هو خطة أمريكية بحتة لا تقبل التأويل ، خطة معدة امريكيا ومنفذة أمريكيا ومغطاة بكامل مصاريفها أمريكيا – عربيا ، ذات اليد التي دمرت العراق هي التي تقوم بنفس المهمة في غزة .
يساور الجميع قلق وترقب وتخوفات كبيرة من كل إعلان عن أية خطة تعلنها دولة من دول حلف الشيطان ، يزيد من هذا القلق الرصيد المخزون في الذاكرة حول هذه المخططات بحكم تجاربنا السابقة في العدوان الأمريكي على العراق واليمن وليبيا وسوريا ولبنان وبحكم أن أوراق القوة المادية والعسكرية والاقتصادية بيد حلف الشيطان قياسا بحالة الفلس العربي بكل محاروه ، لكن دعونا نضع بعض النقاط الآتية في الميزان حول هذا الموضوع :
1-إن مجريات الأحداث القادمة في المنطقة أكبر وأعمق من مجرد قصة الميناء العائم وتداعياته ، ومهما كان لهذه الخطة من تفاعلات فإنها لاتعدو كونها ملهاة وجذب انتباه لمخططات خفية غير معلنة هي التي تمثل الخطر الحقيقي .
2-دعونا نفترض بأن المراوغة الأمريكية نجحت في استقطاب وإغواء معظم سكان غزة بالهجرة منها ونقلهم إلى أوروبا أو سيناء أو أية دولة عربية أخرى ، ودعونا نسلم بان القوات الأمريكية –العربية المشتركة نجحت في عمل إزاحة لقوى المقاومة واستلمت إدراة القطاع واستولت على ناسه وثرواته ومكانته ، فماذا بعد ؟ هل انتهت المشكلة الفلسطينية وظفرت دولة يهود بالسلام والأمان وسوف تبات ليلها الطويل دون كوابيس ، هل ستهنىء المنطقة العربية بالسلام والإزدهار والرخاء والاسترخاء والتطبيع كما يضحكون علينا بهذه الكلمات البلهاء ؟
إن كل ما يقوم به حلف الشيطان بكامل وعيه وقدراته وجبروته لا يعدو كونه حلولا تخديرية أو ترحيلية لألام مزمنة ترفض الشفاء ، لا يمكن ان ينتهي الأمر حتى لو قضيتم على كل المقاومة بكل مواقعها وقدراتها ، تعاني منطقة الشرق الأوسط من ظاهرة اسمها الاحتباس البركاني ، والاحتباس البركاني سياسيا هو قطعة جغرافية من البشرية التي يسكن الظلم وهضم الحقوق والقتل في قصبة تاريخها ويحرك ماجما الثأر والعنف فيها بلا توقف ، قطعة من الجغرافيا البشرية تخزن طاقة مكبوتة لأنها ارواح غير راضية ولا مستقرة ولا هي سعيدة ، كل العمليات الأمريكية التي جرت وتجري في منطقتنا إنما هي تخزين لمزيد من الاحتقان والكره والعنف داخل هذا البركان ومحاولة إرغامه على الخضوع وكتم انفاسه لكن ذلك لا يمكن ان يحدث أو يتوقف لأن الفطرة والطبيعة تلعب قوانيها رغما عن إرداة الجبروت والطغيان الأمريكي -الصهيوني ، ورغما عن مناهج التدجين للشعوب العربية .
3- إن النظام الرسمي العربي يتحمل كامل الذنب فيما يجري في غزة وليست المقاومة أو غيرها ، هذا النظام مشارك في الجريمة إما بحياديته أو مشاركته الخفية أو العلنية ، هذا النظام يهمه جدا إسقاط غزة بكامل محتوياتها المادية والمعنوية لأن الثمن المترتب على بقاء غزة أو شيء من روحها يعني ثمنا كبيرا مترتبا على النظام وضغوطا ومحاسبات مؤجلة ، هذا النظام الذي ذات يوم تم جره من رقبته ليشارك في جريمة حصار وقتل العراق في عام الدخان العظيم ، أسقط قيمته وقوته من حسابات سيده ، واليوم يدرك حلف الشيطان ان هذه الأنظمة لن تفعل شيئا حتى لو قتلنا كل شعوبها ومسحناها من الوجود .
4-إن استمرار العدوان في شهر رمضان هو رسالة تحدي لكل شعوب العرب والمسلمين ولا تختلف عن رسالة إعدام البطل صدام حسين في صبيحة عيد الأضحى الذي يعني العرب والمسلمين ، والحديث اللعوب حول التشديد على هدنة لما قبل رمضان من قبل الرئاسة الأمريكية لم يكن إلا توطئة لفكرة الميناء البحري ، نحن لسنا أمة ميتة أو فاقدة للكرامة بل نحن امة جريحة تعيش تحت حراب المستعمر بشكل محسن ومحروس جيدا والإرادة مسلوبة ظرفيا .
5-حيال التنوع والاستمرار في الخدع والألاعيب التي يطلع بها حلف الشيطان ضد غزة والمقاومة لإيجاد ثغرة أو منفذ لكسر إرداة المقاومين نجد بأن المنطقة العربية ساكنة سكون القبور بفضل الحرس الشديد ، يريد الحكم العربي أن يقول لشعوبه : نحن خُلِقنا لكي نتلقى الضربات فقط ! ، أقصى ما يضحكون علينا به هو التأكيد على طلب ايقاف النار وفتح المعابر والتحذير من خطورة استمرار العدوان ، هذا يعني استفرادا كاملا بالشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية ، لاتوجد أية مبادرات ولا حلول ولا شهامة ولا كرامة من أنظمة تعرت تماما وكشفت حقيقتها وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ، اليمن ولبنان والعراق نفس ضحايا الهمجية الأمريكية الذين أحرقهم الغزاة الأمريكان هم الان من يقفون فوق كل جراحهم للوقوف مع وحدة غزة.
6- عندما يقوم الاحتلال بنشر 23 كتيبة في الضفة الغربية من قواته مقابل 12 كتيبة تعمل في غزة فيجب بأن نفهم بأن هؤلاء القردة يفهمون ويدركون حجم التأثير الحقيقي للمشاعر الدينية في تأجيج قوة الشعوب ، رمضان والصلاة والمقدسات داخل فلسطين لا يمكن أن تشبه تلك في أي مكان في العالم ، هذه هي أرض الأنبياء والمسجد الأقصى الذي بورك حوله وتم منحه الامتياز الرباني ، إنها بيت المقدس ومربط كبير من مرابط الروح العربية الإسلامية التي يخافها حلف الشيطان اكثر من أي شيء آخر ، إن اليقظة في الوعي والمعرفة جزء من سلاح التحرر لكن هذا السلاح لا يكمله إلا يقظة في الوجدان الديني متلازمة مع يقظة قومية عربية .
7- مهما حدث ومهما فعل بايدن وعصابته ومهما حققوا من نجاحات فهي نجاحات مسجلة في أسفل السافلين ولن تزيدهم إلا احتقارا وسقوطا في العالم ، كل نجاح يحققه حزب الشيطان لا يقابله إلا مزيد من الخزي والعار والتضامن المعاكس لهم ، لقد رفعت طوفان الأقصى ورقة فلسطين عاليا ولكن جرائم حزب الشيطان رفعتها اكثر وأيقظت كل العالم على القضية الفلسطينية والظلم الكبير الذي تتعرض له شعوب الشرق الأوسط على يد حكام يتآمرون على شعوبهم ويقفون متفرجين على جرائم ضد أخوانهم ، إن من سيوقف العدوان على غزة هي شعوب الغرب بشكل واضح لأن الثقل العربي غائب تماما عدا شعب اليمن الشجاع .
8- إن خطة بايدن في إقامة الميناء العائم والتي تتطلب بضعة أسابيع للتجهيز تعني بالحرف الواحد منح الجوع الوقت الكافي ليفعل فعله في أهل غزة وإيصالهم إلى حافة النضج الاستسلامي والقبول بالهبة التي ستأتي إليهم من البحر حبا وخداعا لكننا نبشر بايدن وجنده وموظفيه وكل حلف الشيطان بأن خطتهم رخيصة وسخيفة ، إن الكيان وكل داعميه في مأزق وليسوا في أمان ولن تمنحهم لا الصواريخ الذكية ولا المنصات الوقائية ولا كل الأسلحة الهجومية الأمان والسلام ، سيكفي صاروخ او مسيرة بدائية لكي تزلزل كل نظرياتهم الأمنية وستكفي حفنة من الحفاة الجوعى الثائرين كرامة ان يهزوا عرش الشيطان ، سيكفي حفنة من أطفال عاشوا تجربة الموت في غزة وشاهدوا ماذا فعلتم بهم وبأهليهم لكي يكبروا ويتحولوا إلى أكبر تهديد وجودي لكم جميعا .
إن المقاومة في موقع النصر وطريق التحرير لكل الأرض العربية ، بدأت بطوفان الأقصى ولن تتوقف تداعيات هذا الحدث حتى تطيح بكل السلسلة الملعونة .