لماذا ستعودون صاغرين إلى التفاوض مع المقاومة؟
كتب / خالد شــحام
هل أزفت الآخرة واقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون؟ هل تحولت غزة إلى حجة العذاب لكل هذا العالم المتفرج على الدم الهدار؟ من يوقف سيل الدماء ويرحم الضعفاء؟ من تستيقظ الحياة في قلبه ويشهر العدالة من جديد ؟ من يا غزة الصامدة ؟ من؟
لقد صنع الألم الأسطوري ألبومه الخاص من الصور الخاصة بالعدوان على غزة ، يزخر هذا السجل بالصور التي ستبقى مقيمة في الذاكرة البشرية إلى الأبد وستبقى في ذاكرتنا نحن أو ما تبقى منا وقودا للأجيال القادمة لكي لا تنسى ما فعله هؤلاء بنا ، صور تبدأ بالأكفان البيضاء والزرقاء المرعبة المربوطة من أسفل ومن أعلى حيث عقدت على أروحنا ختم الخذلان والتقاعس ، صورة النزوح ثم صورة الأواني الفارغة الممدودة بالأيدي الصغيرة ، أخرى لطائرات تلقي بالصناديق والبائسون يركضون خلفها ، آخر الصور التي بثتها قنوات الأخبار تظهر شاحنة مساعدات بطول عشرين مترا حسرةً تمشي في ظلام دامس بين السماء والأرض ، ينير جنبات الطريق مصابيح المقدمة وتظهر في الخلف كتلة بشرية ، عشرات من الرجال الذين يتعربشون على الشاحنة مثل النمل وتظهر الكاميرا رمادا وغبارا يتساقط مثل الثلج من الأعلى ، مشهد من مشاهد تلك الأفلام التيُ تصورنهاية العالم تتجسد حقيقةً ، تتكامل أركان الصورة المستحيلة بعملية القتل والغدر التي يقوم بها جنودٌ عديمو الشرف وعديمو الإنسانية ، يطلقون رصاصات مضاد الطائرات على هؤلاء المجوعين لعمل ثقوب في أجسادهم بقطر عشرة سنتمترات ، نعم إنهم جنود الانحطاط المعاصر الذي جاء من قلب الجيتو القديم بعد ان قطعوا رحلة التمسكن وتقمصوا جيدا ثوب الضحية ، هذه هي آخر مبتكرات الإجرام الاسرائيلي بحق أبناء فلسطين ، يشير المراسلون الصحفيون بأن هذا الإعتداء يحمل الرقم عشرين بعد الاعتداء في دوار النابلسي ، هذا هو ما يدعى بجيش اليهود العائد من جحيم التاريخ .
تقول قوانين السياسة التقليدية بأن أداة التنفيذ لا يمكن أن تحكم أداة التخطيط لكننا في عدوان غزة نرى العكس حيث نرى ظاهريا بأن نتانياهو وعصابة الإرهابيين المتزمتين هي التي تحكم الولايات المتحدة بالذات وتصول وتجول دون أي رادع أو أي وازع ، دعونا نتذكر بأن رئيس الوزراء الصهيوني لا يمثل نفسه ولا يجرؤ على أن يتفوه بكلمة واحدة خارج السياق الموكول به فهو في نهاية المطاف موظف نائب عن المؤسسة العميقة الداخلية في الولايات المتحدة التي تسمى بإسم اللوبي أو التحالف الصهيوني أو ما نسميه تحالف الشيطان او مركزالنظام العالمي الجديد والذي يسمح بلعب الأدوار وتنميط السياسات وتكييفها لتبدوبالشكل المقبول لقطعان الشعوب المغيبة ، ولهذا السبب تبدو صورة العلاقة بين الكيان والإدارة الأمريكية محتارة بين التوافق والقطيعة لأن كلا الطرفين يتنافسان على رضى المؤسسة العميقة ، في إطارغزة يقوم هذا الحلف بعقد لعبة جديدة حيث أن مؤامرتين تجريان على قدم وساق تأتيان ضمن اتفاق محبوك من العصابة القريبة والبعيدة :
*المؤامرة الأولى لها عنوان مشروع الميناء العائم الذي يهدف إلى أي شيء عدا الإنسانية والمساعدات ، رويدا رويدا تتكشف الرؤى وتبان التحليلات حقيقة هذا المشروع الذي اعتدى على هيبة العالم والعرب ومصر خاصة وأعلن على المكشوف بأن غزة هي أرض خلاء لا حكومة ولا سلطة لأحد فيها وبأنها مجرد جزيرة مكتشفة حديثا سوف تطأها القوات الأمريكية وتعيد (استكشافها ) تحت حجة إطعام الجائعين فيها والشفقة عليهم ، الآفاق التي يضعها هذا الميناء أبعد من مجرد فترة زمنية وجيزة وخطط موضعية .
*المؤامرة الثانية تحمل عنوان تجديد الاقتتال الداخلي الفلسطيني وإشعال النار من جديد بين أخوة السلاح باستخدام الأداة الجاهزة والمتحضرة حسب وقت الاستخدام والتي تربض في الضفة ، يحمل هذا المشروع السرابي اسما خاصا يسمى (ما بعد غزة ) والذي بدأت تهاليل فرحه بإعلان اسم الحاكم الكرتوني الجديد لغزة بنكهة أشد صهيونية من الصهاينة انفسهم وإستعانة بعائلات (لها ثأر مع حماس ) ، مشروع تفوح منه رائحة كريهة جدا يعرفها كل طفل من أبناء فلسطين ويعرف معانيها وغاياتها ، مشروع رخيص مكتوب موته قبل أن يولد وأبطاله لن يكونوا إلا في مزابل التاريخ ، لماذا سيكون الفشل الملازم رفيقا دائما لكل مشاريعكم الهزلية ؟
1 – لو كان ذكاء (الائتلاف الحكومي ) الصهيوني الذي يقود الحرب بنفس مستوى تطور الأسلحة التي يستخدمونها في القتل والتدمير لكنا رأينا سيناريوهات سياسية أكثر نضجا وأكثر بعدا في النظر والبقاء في المستقبل لهذا المجتمع الشاذ عن الطبيعة ، الائتلاف المذكور مؤلف من حفنة مجانين يحملون نفس أفكار جابوتنسكي وبن غوريون البائدة المشتقة من الرؤية التلمودية التي تأمر بقتل وذبح الطفل والمرأة والنظرة الدونية إلى كل شعوب العالم والإمعان في الغدر والنذالة والتدمير، لا زالوا يعتقدون بأنهم شعب الله المختار في عالم يكفر بكل شيء ، إنهم يستخدمون نصوصا بائدة في عالم حديث تغير كليا ولم يعد أحد ليؤمن بهذه الهرطقات الإجرامية في ظل دويلة تدعي في ظاهرها الانفتاح والتمدن والتعدديات السياسية والفكرية زيفا وكذبا .
2- إن الدليل الملموس على وصول الفريق التنفيذي والمخطِط إلى مرحلة فقدان البصيرة هو الافتقار إلى القدرة على الإتيان بأي حل سياسي عقلاني بعيد النظر يمكنه أن يُشكِل ضَمانة أمانٍ لهذه العصابة وما يسمى المجتمع الاسرائيلي ، وبديلا عن ذلك تم اللجوء إلى ظاهرة النكوص السياسي ، والنكوص سيكولوجيا هو الارتداد إلى الذاكرة الآمنة البدائية في انفصام تام عن الواقع ، ويقابله النكوص السياسي بقيام هذه العصابة بإعلان العودة إلى استخدام أداوت اجتماعية مثل العشائر وشخصيات مشتقة من بيئة العمالة والخيانة ومنقوعة في الاستعداء لقوى المقاومة الفلسطينية ولا يمكن أن تكون حلا أو وريثا شرعيا لقوى المقاومة في غزة ، نؤكد لكم بأنكم سترجعون إلى حماس كي تتوسلوا لها إعادة تدوير القطاع والاشراف على إدارته والأيام بيننا كما يقول أستاذنا عبد الباري.
3- بموازاة الألم الفادح والجريمة الكبرى التي فعلتها دويلة الكيان داخل غزة يقرر الكون بأن رد الفعل هو شيء حتمي مماثل في القوة ومعاكس في الاتجاه ، فغزة أيضا تتغلغل في كوابيس حلف الشيطان من كبيرهم إلى صغيرهم ، لقد أعادت غزة تشكيل المستقبل السياسي شكلا وحجما في بنية المجتمع المفبرك وقياداته داخليا ، ليس هذا فحسب بل إن تداعيات الجريمة في غزة توغلت حتى داخل الولايات المتحدة بأكثر مما نتخيل ، فعندما نسمع شخصية بحجم ومكانة ( تشاك شومر ) وهو يتلفظ بعباراته الانتقادية اللاذعة لفريق الكابينت فهذا يعني أن غزة أحدثت صدعا تمدد إلى مراكز صنع القرارات الاستراتيجة المصيرية ،حتى ان ظاهرة خطيرة مثل التظاهرات التي انطلقت في الولايات المتحدة ضد منظمة ( الايباك ) الصهيونية الداعمة كليا للكيان تؤكد أن عمق تأثير طوفان غزة سيفرض نفسه في كل الأجندات السياسية الغربية ومجتمعاتها التي بدأت تصحو عل خطورة الكيان في داخلها ، لقد خسر حلف الشيطان خسارة فادحة وهو في وضع حرج للغاية.
4- لقد أصبح واضحا الان أن المجرم نتانياهو وعصابته وبايدن وعصابته دخلوا منطقة التصحر الفكري والإفلاس من أية حلول قابلة للحياة على الأرض لسبب واحد أحد جوهري وهو أن المقاومة الفلسطينية على الأرض لم تسقط ابدا ، بل أضحت حجرا هائلا في وجههم ، بل في وجه كل اللاعبين والمنتظرين لسقوطها وتأكد لهم ان تحييدها ليس مجرد عبارة يتغنى بها قذر أمام شاشات التلفزة ، إنها حجر الصوان المدور الذي علق في مسننات ماكينة الإبادة وعطل كل مشروعها وخططها ، ولهذه الأسباب فسوف يعلنون الاستسلام في نهاية المطاف ولن يجدوا بديلا عن قوى المقاومة في إدارة القطاع والتفاوض معهم .
5-خلال اليومين الماضيين استمعنا لكلمتي السيدين حسن نصر الله وعبد الملك الحوثي ، الوجهان الممثلان للشرف العربي والكرامة العربية المتبقية ، هؤلاء هم من وقفوا مع غزة ولبوا النداء ويضعون اليوم خطط المواجهة التي تخلى عنها كل العرب ، هؤلاء بمعية الشعوب التي تلتهب لأجل غزة ليسوا مجرد إضافات محسنة بل هي أرقام لها حسابها في آلة العدو الحاسبة التي لا قبل لهم بها .
اليوم التالي المنشود امريكيا -اسرائيليا في غزة هو اليوم السابق لما قبل طوفان الاقصى أي الانشقاق والحصار والاذلال الأبدي ، لكن اليوم التالي في غزة الذي أسست له عملية طوفان الأقصى هو يوم التحرر الكبير الذي بدأت نذره على يد المقاومة الفلسطينية واستلهمت روحه جماعة انصار الله الأبطال وجماعة حزب الله في لبنان ، إن غزة نزفت وفاق النزيف حد الامتلاء في سد التاريخ ، بل فاض الدم وطوفان الألم من غزة حتى غمر سهول العالم العليا والوسطى والدنيا ، كل هذا القدر المهول من الألم والدماء سيكون مدعاة للقوة والمناعة بمجرد ان ترفع المقاومة علامة النصر قريبا من داخل غزة امتدادا إلى البحر الأحمر ، بساطا ممدودا نحو طريق التحرر لكل العرب .