“انتهاء العُدوان” فقط عند اجتثاث “إسرائيل”
كتب/ علي الزعتري
ما هو “إنتهاء العدوان”؟ هل ينتهي العدوان بمجرد وقف إطلاق النيران؟ هذه العبارة المترددة من أنصار المقاومة شرطاً لإيقاف دعمهم المساند لغزة يجب أن يُعادَ النظر فيها لأنها قاصرةٌ عن تعريف العدوان، فهو ليس ما نراه اليوم في غزة فقط بل العدوان هو الاستعمار الصهيوني الممتد منذ ١٩٤٨ والذي سيستمر لليوم وللغد إن لم نجتثهُ من جذره. وهو التبعات المتوالية من غزة لأن العدوان، لو توقف لفترةِ هدنة، مستمرٌ في شق غزة لنصفين بالطريق البري ثم بالميناء الأمريكي. لأجل هذا يجب تعديل مفهوم “إنتهاء العدوان” ليشمل وجود الصهيونية “إسرائيل” في فلسطين. هي العدوان المستمر الذي لا يقف ولن يقف حتى يصبح كل بيتٍ عربيٍّ بدرجة الاستباحة الصهيونية التي نراها في بيوت فلسطين.
لكن السؤال الذي ينبغي الجَهْرَ بهِ هو عما إن كانت المعركة تنتهي في أذهاننا بسقوط النتن ياهو سياسياً، و هو ما بات حتى أصدقاءه من أمريكيين وأوروبيين يتمنون حدوثه بل و يطلبونه، مثل نصيره الديموقراطي تشاك شومر في مجلس الشيوخ الأمريكي؟ هو قال أن نهج “إسرائيل” ينبغي أن يتغير وإن لم يتغير فسوف تعمل الولايات المتحدة على تشجيع التغيير السياسي بوسائلها الضاغطة. لكن هل تنتهي حرب فلسطين بسقوط موتورٍ وصعودِ موتورٍ آخر؟ الحديث اليوم هو عن إسقاط المقاومة الفلسطينية في براثن التمويت السياسي والعسكري و الالتفاف حولها من خلال التجويع وإخلاء الساحة منه و من نظريتها في المقاومة، بالحرب الصهيونية وبالحرب الإنسانية التي تشنها الولايات المتحدة، و الإتيان بالبديل سواء من السلطة الفلسطينية أو مزيجاً من المتنفذين على أُسسٍ عشائرية. وفي المقابل يختفي النتن ياهو ويصبح الطريق واضحاً نحو حلٍّ ما لإقامة دولةٍ فلسطينية هي أشبه ما يكون ببلديةٍ بل أضعف.
“الأسىٰ ما بينتسىٰ” مَثَلٌ فلسطينيٌ مُعَبِّر عن الحالة الفلسطينية التي تولدت من حرب غزة. هذه الحرب تجمعت فيها آلام فلسطين منذ ٢ نوڤمبر ١٩١٧. منذ ذلك اليوم الأسود خلقت الصهيونية لها شرعيةَ ابتلاع فلسطين بالتغيير العِرقي قتلاً ونفياً للفلسطينيين. لا يوجد بيت فلسطيني لم يذق مرارة الكراهية الصهيونية له ولا ذاب من وعيه كراهية الصهيونية و “إسرائيل”. غزة أحيت ما كان من آلام فلا يجوز من اليوم أن نقبل بوجود الصهاينة، لا في فلسطين ولا لبنان ولا سوريا ولا العراق و اليمن ولا في أي بلدٍ عربي وعلى المقاومين تبني شعار فلسطين كاملة ومحررةً وعلى العرب تبني ذات الشعار والسياسات.
ممكنٌ هذا أم مُحالٌ؟ من الواضح أن عموم الحكومات العربية لا تريد الاعتراف أن الصهيونية انكسرت في غزة. و قد تقوم بعض هذه الدول بعمليةِ إنقاذٍ للصهيونية. عملها قد يُجافي العقل و المنطق لكنه قد يحصل لأن دولنا ليست على استعدادٍ لمرحلةٍ قد يتسيد فيها المنطق المقاوم المنطقةَ فهو في طياته تهديدٌ لها، للأمر الواقع الحاكم الذي يريدُ استقراراً و لو على الأشلاء العربية التي تبترها الصهيونية أمام أعينها. وما غياب الانتقاد لإنشاء ميناء بايدن بل والتعاون معه إلا إشارةً لا تخفى على توق العرب لإنهاء غزة بمعناها المقاوم. و ربما لتحويلها لمدينةٍ إيلاتيةٍ أو شرميةٍ مخصصةً للترفيه وتحت ضوابط لا تجعل لمقاومٍ فيها موطئ قدم. نسألُ إن لا يرى العرب مسار الغزو الصهيوني ووجهته الماحية لوجودهم؟ بل وعقيدتهم؟ بلى يرون بلا شك ويتجاهلون لأن لمعةَ الذهب الأصفر والأسود أغلى من تراب وطنٍ وحتى نداء مئذنة. والذهب يأتي من رضى الصهيونية العالمية التي بمساعدة العرب و الغرب ستعدل من منطقها المتطرف قليلاً لتلبس قفاز الحرير فوق أَكُّفِها القاتلة، ويرضى الجميع.
إلا من ذاق الأسى. و لسوف نرى فالله ليس أبداً غافلاً عن الظالمين. يبقى المقاوم الذي سيجابه لا محالةَ الإعصار الاستسلامي للمنطق السلامي الآتي من القريب والبعيد، فبمنطقهم يرون أنه يكفيهم عذاباً من المقاومة و أن الوقت حان لتلبيس الحل الذي يضمن لفلسطينيين وليس كلهم بلديةً مستقلةً يمارسون فيها نشاطاتهم السلمية، ولا بأس إن كانت كانتوناً مُداراً من الباشاوات الفلسطينيين. تماماً كما كانت الإقطاعيات تُدار. يكون الشعور الوطني فيها محارباً كما يحدث اليوم تحت السلطة. أما باقي الفلسطينيين فمن استقرّ ببلدٍ سيبقى فيها. لاجئين؟ باعتقادي أن “المخيمات” ستحذو حذو الأنروا في التفتت التدريجي. لا عودةً لفلسطين بل إذابةً في المنافي القريبة والبعيدة، و لم لا؟ العالم يحتاج القوى العاملة و ما هو رقم خمسة مليون فلسطيني يمكن استيعابهم هنا وهناك. فهل سيصمد مبدأ المقاومة عند الفرد الفلسطيني أمام هذا الإعصار؟ هل سيصمد بصوتهِ أم بقوته العسكرية؟ شتان ما بين الاثنين. و ما القاعدة المتبقية للمقاومة في فلسطين إن تم ذبح غزة؟ وهل ستصمت جبهات الإسناد؟
كل هذا ينتظر المقاومة. ينتظر غزة. ينتظر نصراً كاسراً. فهل سيكون؟