احرقوا.. اغتصبوا.. اقتلوا.. نحن هنا باقون
كتب / خالد شــحام
أعترف لكم بأنني أشعر بغربة فادحة لا مثيل لها، غربة مثل قطع الليل ، منها حمر مستنفرة وغرابيب سود، كأنها نهاية الأيام أو ملامح الآخرة، أعايش أياما آكل فيها خبز الوحدة وخبز الوحدة يأكل من جسدي، كل مبادئي التي عشت لأجلها أراها تُنقض أمام عيني وأعاني عسرة في تقبل الواقع، كل صحفي التي كتبتها وعاهدتها مزقها زائر الليل وتناثرت أحلامي بعيدا هاربة مني ومن انفجار الصمت ، نحن نعايش تجليات الامتحان الأكبر والعسرة الأشـد عتيا من كل العواصف.
أعيش غربة عن كل هذه المدن الأعجمية وعن كل هذه البشر اللاعربية وحتى عن بيتي وطعامي وشرابي، كل هذا الزمان ليس لي ولست له، كل هذه الأماكن لا أنا منها ولا هي في قلبي، كل هذه الوجوه غريبة عني وغريب انا في بحر هذا العالم الذي أجهله ويجهلني ولا أعرفه ولا يعرفني.
لقد أصبحت عصبيا وحزينا ومنطويا أبحث عنك فلا أجدك وأذهب بعيدا وراء زندك الكرمي فلا أجده ، لقد تشعب الحنين في عروقي وفاض بي الشوق إلى هنالك حيث الولادة الأولى في عش النسور والشوك والقدم الحافي ودالية تسكن الجبل، يا ليتني مت قبل هذا يا غزة وكنت نسيا منسيا كي لا أرى حرائرك يغتصبن أمام أعيننا المصابة بالغربة، يا ليتني يا غزة أمتلك ناصية النار كي أفتح عليهم طوفان السعير، ليتني يا فلسطين مت قبل هذا ولم أر الأمهات المفجوعات وصراخ الأبرياء ووجوه الجوعى ، فأذكريني قبل ان أنسى يدي وادعي لي قبل أن أضيع في درب المطار وشظايا الزجاج الذي انفجر في وجه زماني، أين أنا؟ ومن أنا؟ وما هذا الزمان أيها الزمان ؟ هل يعقل ما يجري لشعبنا في غزة؟
أين أنت يا قاهرة العرب؟ هل يُعقل أن تقبلي بأن يمس هذا الشرف الرفيع؟ أين أنتم يا أمة محمد؟ ام أنهم فعلوا بعواصم الرماد نفس ما فعلوا بنساء غزة؟ هل يعقل أن هذا العالم وصل ذروة الضياع بك يا غزة ؟ هل تدعون إلى وقف إطلاق الناروتحذرون من اتساع الصراع أيها السفلة؟ هل تضحكون علينا أم تضحكون على الزمان أم على الشهداء ؟ ماذا بقي من جرائم وخطايا لم تقترفوها؟ ماذا بعد يا قتلة الأطفال ومحرقي المستشفيات ونابشي القبور ؟ ماذا بعد يا أرذل الخلق وأعداء الله والبشرية ؟ ماذا بقي من نكايات لتفعلوها بنا وبهذا الشعب ؟ ألم يكفكم سيل الدماء ؟ مادا تريدون اكثر ؟ هل تضحكون علينا بقرار مجلس الامن أم محكمة العدل أم صافرة لكرة القدم ؟
غزة تستصرخكم يا بقايا الطين ، لكنهم لم يصدقوا غزة وقالوا لها لن نؤمن لك حتى تفجري لنا في الأرض ينبوعا من الدماء أو تسقطي علينا السماء كسفا كما زعمت أو تأتينا بالله والملائكة قبيلا ! يا ربي إن هؤلاء اتخذوا آياتك ورسلك هزوا ، يا رب قد ضاقت بنا الأرض بما رحبت وفاض الدم حتى بلغ الربى ، يا رب إن هؤلاء ذبحوا عبادك وأحلوا حرامك وسفكوا دماء أطفال الجنان ، يا رب لا تذر من بني اسرائيل والأعراب ديارا ، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ويعلنوا الحرب عليك ولا يلدوا إلا مجرما كفارا .
افعلوا ما شئتم ، اقتلوا ، اذبحوا ، اغتصبوا ، احرقوا ، ماذا لديكم أكثر ؟ نحن هنا باقون ، نعاهدكم باننا لن ننسى شيئا ولا أحدا ، نعاهدكم بأنكم سوف تحاكمون وتصلبون وتجوعون ، نعاهدكم بأن المقاومة مغروسة في جينات هذا الشعب حتى النهاية ، مغروسة حتى عمق صخور الأرض في كل غزة وكل فلسطين وكل بلاد العرب ، نعاهدكم بأن صغارنا سيكبرون بأسرع مما تتوقعون ، وسيعودون لكم فاتحين محررين بألف ضعف .
في وحشة هذا العالم لا مؤنس إلا الله ، وفي هذا الظلام اللُّجي لا مكان سوى نور الايمان ووجهك المطلي بخضرة الزيتون ، لا مؤنس لنا في وحدتنا إلا أنت أيها الرفيق الراكض فوق الدمار، المقيم في الحصار ، لا صوت يهمس في روحنا سوى صوت قذيفتك المكللة بالنصر ، لا شيء يشفي جراحنا إلا ضرباتك المكللة بالغار ، يا غصن كل الريح ، يا أسبوع سكر، يا إسم العيون ورخامي الصدى ، يا أيها الثائر المولود من نار وتتزوج الموت فوق المقصلة .
شكرا أيها الذي تبعث الأمل في حياتنا بأنك لا زلت واقفا رغما عن كل الجراح التي تنوء بها البلاد ، شكرا أيها الساقط من السماء لتشعل درب الأمل ، شكر أيها الواقف وحدك وتتحمل وحدك وتصون شرفنا وعرضنا وحدك ، شكرا أيها الوحيد في وحدتك.