التيرمينيتور .. حرب الذكاء الصناعي على المقاومة.. من القتل على الهوية إلى القتل على الوجه
كتب/ خالد شحام
فيما كان المواطن الفلسطيني عمر أبو مرخية يلهو مع ابنته الصغيرة فوق سطح العمارة التي يسكنها في مدينة الخليل ، أسقطت الطفلة ملعقة الشاي المعدنية نحو الشارع ، دقائق قليلة ويُفاجىء الرجل بمجموعة من جنود الاحتلال يطرقون باب البيت لاعتقاله بتهمة رمي الحجارة ، يتكرر توقيفه عدة مرات في نقاط التفتيش الموزعة في الضفة الغربية لسبب مجهول ، لفتت هذه الحادثة الصغيرة والتي وردت في تقرير لصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في العام 2021 الانتباه إلى حجم ودقة عمليات الرصد والمراقبة التي تقوم بها سلطات الاحتلال في الضفة الغربية والتي تعتبر من أشد المدن خضوعا للرقابة الالكترونية الذكية ، ولهذا السبب فعليك الانتباه جيدا إذا تحركت في هذه المدن ، كل حركة لها حسابها مهما كانت صغيرة أو عفوية ، يكفي في شوارع القدس او الضفة أن تضع يدك في جيبك بطريقة سريعة مثلا أو تتلفت بشكل مريب لكي تجد بعد دقائق بأن عددا من فوهات البنادق مصوبة نحو رأسك وصوت يأمرك بالانبطاح أرضا .
تنتشر في احياء و مدن الضفة الغربية شبكة مهولة من كاميرات وحساسات الرصد التي تبدو ساكنة وآمنة عند النظر إليها ، لكنها تخفي خلفها منظومة تقنية متكاملة من أحدث التقنيات الباهظة الكلفة التي أدخلها العدو في فلسطين المحتلة في السنوات الأخيرة وأصبحت الوسيلة الأكثر فتكا وتفوقا من جيش العملاء وجواسيس السلطة ، إنها المسؤولة عن التحجيم الهائل للجمر الملتهب تحت رماد الضفة الغربية حيث يتم الاعتقال ليس لأنك تقوم بعملية ضد قوات العدو بل لأن البرامج الذكية تتوقع ذلك .
في الضفة يتعرض المواطن الفلسطيني للتوقيف والتفتيش وتصويره من خلال برمجيات التعرف على الوجوه والتي من أشهرها الذئب الأحمر – الأزرق ، والتي تقرر الاعتقال أو السماح بالمرور ، كما يمتلك كل مستوطن في هاتفه إصدار الذئب الأبيض الذي يتيح له تشغيل أو رفض العامل الفلسطيني ، برامج التعرف على الوجوه تم تطويرها من قبل شركة (كورسايت) الصهيونية وبالتعاون مع خبرات أمريكية والوحدة 8200 في جيش العدو المختصة بالاستخبارات الإلكترونية وهذه البرمجيات تستخدم قاعدة بيانات ضخمة مصدرها اتفاقية شاملة مع الشركتين الصهيونيتين جوجل وامازون عنوانها اتفاقية ( نيمبوس ) والتي تسمح بإمداد بيانات هائلة شاملة ، تدعي شركة (كورسيات) بأنه لا يلزم سوى مشاهدة ما نسبته 50% من الوجه لمعرفة صاحبه بدقة حتى لو كان ملثما .
في العام 2019 قام جيش الاحتلال بإنشاء دائرة خاصة في الوحدة 8200 اسمها وحدة تسريع توليد الأهداف ، وهي وحدة عاملة بكاملها على تخصص الذكاء الصناعي وتتركز مهمتها في إنتاج أسماء ومواقع أو بتعبير آخر أهداف محضرة للقتل والقصف استنادا إلى قاعدة بيانات هائلة تم تكديسها طيلة سنوات كاملة من المراقبة والفرز والتجميع من الطائرات المسيرة والتجسس على ملايين المكالمات والمراسلات والايميلات وتتبع الأفراد ورصد الوجوه ورصد مواقع التواصل الاجتماعي و ملايين الصور من الأقمار الصناعية ، تقوم هذه الدائرة في عملها على ثلاثة برامج بأسماء رمزية ، (برنامج الكيميائي) الذي يلتقط البيانات ويكدسها ، برنامج (مصنع النار) الذي يتولى فرز وتصنيف البيانات ، ثم برنامج (الإنجيل) الذي يتولى توليد الأهداف ، في الماضي كان يتم توليد عشرات الأهداف كل سنة على يد فرق استخبارية ولجان متخصصة ، لكن أصبح بمقدور هذه الوحدة توليد مئات الأهداف يوميا ، محضرة وجاهزة للتعامل معها إذا اضطر الأمر ، تم إطلاق اسم (الانجيل ) ( أو النظام المرشد ) (او هابسورا بالعبرية ) على هذه البرمجية ، و هذا بالضبط ما تم تطبيقه بنجاح دموي في معركة سيف القدس التي استمرت 11 يوما وتم فيها قصف الأبراج وهندسة الموت لأهل غزة ، لقد كان هنالك ربط تام بين الدائرة الالكترونية الموجهة للصاروخ أو القذيفة والموقع الجيو-رقمي للبناية أو الشخص المستهدف من خلال نظام جي بي إس او هاتفه الخلوي ، ويتم اختيار القدرة التدميرية لكل هدف بناءا على قاعدة بيانات تحدد السعة المطلوبة للقتل ، تباهى جيش المجرمين وقتها بكل صفاقة بأنها أول حرب ذكاء صناعي تم شنها في العالم والتي فتحت شهية العدو لتوقيع عقود تطويرية مع الشركات الأمريكية لتُفعِّل وتضخم من هذا النوع من القتل ليصبح ركيزة اساسية في العدوان الحالي على غزة .
في العدوان الحالي على غزة تم قصف 15 ألف هدف في أول شهر من العدوان ولدها (الإنجيل) ، وهذا الرقم يفسر كمية الذخيرة الهائلة المضروب بها ويفسر بالتالي العدد الهائل من الضحايا والقتل المفرط المستند إلى قصف يذهب بمعيته عشرات أو مئات من الشهداء الأطفال والنساء الأبرياء وتدمير فائق السعة والنوعية ، وبهذه الطريقة وسع المجرمون أهدافهم من عشرات المواقع إلى الاف المواقع المركزة ونقلوا جريمتهم من عقولهم وضمائرهم الميتة إلى أداة قتل وموت حديثة جدا اسموها نظام (الإنجيل) كما هي عادة جيوش الطاغوت التي تستمتع بوشم إجرامها بإسم مقدس .
يتميز نظام الإنجيل الدموي بقدرته على تقدير زمن الإخلاء المقدر للمبنى او عدد الضحايا المتوقع من المدنيين إذا تم القصف لفرد أو قائد في المقاومة ، وبفضل تلقيم هذا البرنامج بخارطة غزة وإحصائيات الكثافة السكانية المبيتة فيه فإن عدد الضحايا يبرز على جانب الشاشة لكي يعرف القانل كم سينجم من ضحايا عند ضغط مفتاح الموافقة ، وبذلك نفهم تماما بأن هؤلاء النازيين لديهم نوايا ومعرفة تامة بعدد الضحايا قبل القصف .
في العدوان الأخير على مجمع الشفاء الطبي يتباهى جيش المجرمين و قتلة الأطفال بأنهم اعدموا مائتي فلسطيني ، سلاح الإعدام ليس البندقية التي بيد المجرم بل هي الكاميرا المثبتة على خوذته والخاضعة للبرنامج الإجرامي الذي يمنح رخصة الموت دون رحمة بمجرد أن يكون الوجه المرصود مسجلا كناشط سابق أو له قريب ملتحق بركب المقاومة أو مسجل كشخص مشتبه به ، لقد قفز هؤلاء بفنون الجريمة من القتل الطائفي الذي ابتكروه في العراق ولبنان منذ سنوات على الهوية إلى القتل من خلال الحكم على الوجه الذي يطلع به برنامج رياضيات جامدة تم العبث به ليكون عنصريا ومجرما وفائق الانحطاط .
إن التطبيقات المميتة للذكاء الصناعي في الحرب والعدوان على غزة لا تقف عند إشباع الغريزة الدموية للعصابة النازية بل هو في جزء منه استعراض عضلات تقني يسوقه الكيان لاحقا على أنه التطور الأحدث في الحروب الرقمية الخاضعة بالتمام والكمال للعمل ببضع كبسات فقط ضمن عالم الرقميات الذي يتصدره الذكاء الصناعي ، إن العقود الناجمة عن هذه المبيعات للأنظمة القمعية ستكون مصدرا للمليارات ضمن العقلية الرأسمالية الملعونة التي يعتاش فيها الكيان ، إن استثمار دماء الفلسطينين واختراق حياتهم ووجوههم ومكالماتهم وتفاصيل معيشتهم يتحول إلى حقل اختبار كبير وتتحول غزة إلى مختبر تجارب لشتى أنواع الأسلحة المحرمة في الضمير البشري ويتحول أطفال ونساء غزة الأبرياء إلى اهداف تموت وتمحى وتحرق من أجل التسويق والمبيعات وتحقيق الحلم التلمودي لعصابة مارقة في التاريخ ، إن هذا يفوق ما فعلته الولايات المتحدة بهيروشيما .
برامج الانجيل والذئب بكل ألوانها ليست سوى برامج تقوم على الاحتمالات الإحصائية لكمية ضخمة من البيانات وبالتالي فمهما تم تجميل ومحاولة تسويق عمل هذه الأنظمة فهي لا تعدو كونها منتجات كاذبة تغلف وتبرر رغبة دموية في الإبادة عبَّر عنها الرئيس الاسرائيلي المجرم عندما قال بأننا نُحَّمل كامل هذه الأمة ( مجتمع غزة ) مسؤولية أحداث 7 أكتوبر ، وكل ما يقال عن أنهم ابرياء اوغير مدركين أو غير مسؤولين هو كلام غير صحيح ، إن المطلوب هو القتل على اكبر سعة وأكبر عدد وتحقيق قفزة نوعية في الآرهاب ودفع الناس الى الجنون ونبذ فكرة المقاومة وحركاتها ، كمية الدمار وحجم القتل والقصف المبذول على المساكين في قطاع غزة لا تقول سوى أن مهمة القتل هي إرداة بشرية سياسية تم تغليفها بقشرة علمية لمنحها الإعفاء من المساءلة الإخلاقية والقانونية ، إن الذكاء الصناعي المستخدم في غزة ليس إلا أداة قتل تتقمصها إرادة بشرية منحرفة مشبعة بغرائز سفك الدماء ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بشيء اسمه دقة الاستهداف أو الاصابة المحددة ، وما لا يمكن تبريره بأنه خطأ او مخاسر ثانوية يتم تبريره بنص ديني إجرامي مستحضر من قمقم التاريخ التلمودي ، هذ هو الذكاء الصناعي الذي يستخدمه هؤلاء الهمج ، وهذه هي الأسطورة المعاصرة الكاذبة التي تضاف إلى رصيد الكذب التاريخي حول هؤلاء المجرمين .
إن الوصف الصحيح لاستخدام الذكاء الصناعي هو أنه عملية الاغتيال الجماعي كما ذكر ضابط سابق في جيش الاحتلال ، إنهم الجيش والمجتمع المشترك معا في جريمة واحدة ، جريمة تحتوي في داخلها كل أشكال الموبقات التاريخية مكللة بأعتى قدرات العلم الحديثة ، من العنصرية الرقمية ، الإبادة المحكومة بالذكاء الصناعي ، الانحطاط المرقوم ، الجيتو الرقمي ، إعادة العرب إلى العصر الحجري بالتقنيات الرقمية ، أتمتة القتل ، أسلحة الدمار الشامل الرقمية ، التطهير العرقي الرقمي ، اختراق حقوق الإنسان الفلسطيني بالوسائط الرقمية ، الامتهان والإذلال المحوسب ، هذا هو تطبيق الذكاء الصناعي عند هؤلاء القوم .
على الرغم من كل هذه المزايا السَّباقة في الإجرام والقتل التي وفرها لكم الذكاء الصناعي وعدد الشهداء الذي فاق كل الحدود إلا أن المقاومة الفسطينية تمكنت من الوقوف بوجهكم واقتحام كل خطوطكم الدفاعية والهجومية ونجحت في البقاء أمام أعتى ما اخترعته البشرية ليس لأنها أقوى او اكثر تسليحا بل لأنها فقط لا تمل ولا تكل ولا تتوقف عن العمل لمشروع التحرير الكبير لأن ذلك عقيدة .
على الرغم من القدرات المرعبة للذكاء الصناعي العسكري الذي يعقد معركته المميتة ضد أهلنا في غزة إلا أن هنالك مستوى آخر من الذكاء تمتلكه المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة الإسلامية بأكمله اسمه الذكاء الايماني وهو شيء يفوق القدرة العلمانية على اداركه لأنه يقع في الطبقة الأعلى من العقل البشري ، هذا هو السلاح السري للمقاومة الذي سيمكنه من دحركم و هزيمة الأحزاب.