البطاقة التموينية الالكترونية.. بين الإنعاش والاحتضار
كتب / د. باسل عباس خضير ...
بتاريخ 16 آذار 2024 نشرنا مقالة على هذا الموقع بعنوان ( البطاقة التموينية الالكترونية .. متى والى أين ؟! ) ، و أشرنا فيها إلى تأخر وزارة التجارة بالعمل بالبطاقة التموينية الالكترونية رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها أجهزتها في تحديث بيانات المواطنين ضمن المناطق الجغرافية التي شملها التحديث ، وذكرنا ضمن ما ذكرنا ( إن البعض يرى بان تأجيل مباشرة وزارة التجارة بالعمل بالبطاقة التموينية الجديدة لحين اكتمال هذا المشروع تحول إلى وبال على المشمولين ، إذ يقولون إن جميع المتغيرات بشان البطاقة القديمة والجديدة متوقفة ومنها الإضافة والنقل والفصل ، وعند مراجعتهم للمراكز التموينية يخبرونهم بان المباشرة بالمتغيرات التموينية وفعالياتها متوقفة لحين اكتمال النظام ، والنظام لم يكتمل منذ عام ولا يعلمون متى يكتمل لكي يكون نافعا بالفعل ولا يسبب إضرارا للناس ، وهناك الآلاف من الحالات المتوقفة والمتعلقة بمعيشة المواطنين الخاصة بالبطاقة التموينية بسبب عدم تكامل تحويلها الكترونيا ) ، وبخصوص هذا الموضوع اطلعنا على تصريحين من وزارة التجارة ، وفي التعليق الأول قال وكيل الوزارة السيد ستار الجابري لوكالة الأنباء العراقية (واع ) ، إن ( الوزارة عقدت اتفاقية تعاون مع منظمة برنامج الأغذية العالمي حيث كانت هناك ملاحظات فنية إضافة إلى ملاحظات لجنة الأمن السيبراني بشان البطاقة التموينية الالكترونية ، لافتا إلى انه تم إيقاف العمل بالبطاقة التموينية الالكترونية ، وأشار إلى إن مشروع البطاقة الالكترونية سيطلق في عموم العراق خلال مدة تتراوح من شهرين إلى ثلاثة أشهر المقبلة مؤكدا إن البطاقة الموحدة هي نفسها البطاقة التموينية ) ، وفي التعليق الثاني الذي نشرته ( السومرية نيوز) قال السيد مدير دائرة التخطيط والمتابعة في الوزارة ( إن الوزارة تستعد لإطلاق برنامج للوكالات الالكترونية خلال الشهر المقبل بعد الاتفاق مع المركز الوطني لأتمتها والإسراع بالإجراءات الفنية والقانونية للشروع بذلك تنفيذا للبرنامج الحكومي في تبسيط الإجراءات واختزال الروتين مع إكمال العقود مع الشركات لتنفيذ الدفع الالكتروني أيضا ، وأضاف إن الوزارة سبق وان افتتحت مراكز لتحديث بيانات المشمولين في محافظات المثنى والنجف الاشرف وكربلاء المقدسة وكركوك ودهوك وجانب الكرخ من بغداد ، وبين إن الوزارة بصدد تقديم دراسة جدوى لأتمتة البطاقة التموينية في بقية المحافظات وجانب الرصافة من بغداد حيث وصلت إلى مراحل متقدمة بالتعاون مع المركز الاستشاري في جامعة بغداد لتجاوز المعوقات التي رافقت عملية تحديث المحافظات السابقة وسيشهد المواطن تطورا كبيرا في عملية الأتمتة المقبلة وتحديثها ذاتيا في المنزل عبر التطبيق الالكتروني للوزارة اعتمادا على البطاقة التموينية الموحدة في تثبيت البيانات بالتنسيق مع وزارة الداخلية ونظام برمجي دقيق وبسيط لاستهداف المشمولين بالبطاقة والوصول إلى الرقم الحقيقي لهم ، وان الوزارة ستعمل وفق الخطة الموضوعة للانتقال بشكل نهائي إلى البطاقة الالكترونية من خلال المتابعة اليومية للمحافظات لانجازها في اقرب وقت ) .
ويظهر من خلال التصريحين إن هناك العديد من الملاحظات والتساؤلات بخصوص العمل بالبطاقة التموينية الالكترونية ، أولها عدم تحديد تاريخ محدد لانتهاء العمل بإجراءاتها وإخراجها بشكلها ألنهائي إلى حيز التطبيق ، وثانيها الفارق الزمني الكبير بين انجاز المرحلة الأولى التي تمت بتحديث بيانات الكرخ وبعض المحافظات في منتصف عام 2023 وبقاء الوضع على ما عليه ونحن ندخل نيسان 2024 ، وثالثها ما هي الأسباب التي دعت لتوقيف العمل بالبطاقة التموينية القديمة ولحين اكتمال وتوقف العمل بالبطاقة الالكترونية والتوقف ترتبت عليه أضرار على المواطنين في إجراء عمليات الإضافة والنقل والفصل والحذف ، ورابعا كثرة أل ( س ) و( السوف ) في التصريحين والتي يظهر من خلالهما إن عمليات الانتقال للبطاقة الالكترونية لم يجري التخطيط له بالشكل الكامل بحيث انه شهد ملاحظات للجنة الأمن السيبراني واتخاذ قرار لاحق في ربط معلوماته بالبطاقة الوطنية الموحدة لوزارة الداخلية الذي لم يكتمل انجازه للمواطنين داخل البلاد ، وخامسها التعجل الذي حصل في تحديث بيانات المواطنين في المرحلة الأولى لجانب الكرخ و للمحافظات والتي جرت في أشهر الصيف والتي اضطرت سكان الكرخ للمراجعة إلى قاعات معرض بغداد الدولي وإجبار من لا يحمل البطاقة الموحدة للحضور شخصيا بغض النظر عن العمر والجنس والحالة الصحية والاجتماعية والتي الجأت لجان التجارة لحذف الكثير من المستحقين لعدم الحضور ، وسادسها إن التصريحات تشير إن الموضوع لا يمكن إن يكتمل بموعد محدد فهم يقولون انه متوقف وربما سيكمل بعد شهرين او ثلاثة رغم إن الكثير من الأمور الخاصة بالتعاقد والتحديث لم تكتمل بعد حتى وان جرى التحديث منزليا ، وعن ذلك يسال المواطن لماذا تحمل سكان جانب الكرخ للحضور شخصيا لمعرض بغداد بينما يسمح لسكان جانب الرصافة بالتحديث منزليا دون ذهاب وإياب ودون اضطرارهم عن الإجابة عن عشرات الأسئلة التي كانت توجه لمحدثي الكرخ من حيث امتلاكهم المنزل او السيارة او الثلاجة والتي لم يعلم الكثير هل كانت بتوجيه او اجتهاد ؟، وسابعها إن ما يظهر من التصريحات بان الموضوع قد يأخذ شكلا مغايرا لما تم الإعلان عنه قبل المباشرة به ، فالسيد الوكيل يقول إن الوزارة تتوجه للتعاقد مع شركة للقطاع الخاص بعدما قدمت الأخيرة الدراسة الفنية والاقتصادية وهي الآن في مكتب استشاري حكومي للاطلاع عليها بشكل تفصيلي في حين يقول السيد مدير التخطيط إن القضية وصلت إلى مراحل متقدمة بالتعاون مع المركز الاستشاري في جامعة بغداد ، وثامنها يبدو إن مشروع البطاقة الالكترونية لم يتم تكامل حلقاته عند التخطيط له و تنفيذه ضمن المرحلة الأولى حيث يريدون الإضافة إليه من خلال الدفع الالكتروني وربطه بالبطاقة الموحدة وهي جوانب ايجابية ولكن متى ؟ ، و تاسعا ما هو مستقبل للبطاقة التموينية الالكترونية وهي الان على الحافات إذ يسال البعض هل إنها في مرحلة الإنعاش لإعادة الحياة لها من باب الإضافة والتصحيح أم ستمر بمرحلة الاحتضار والتخلي عنها والعودة للبطاقة السابقة على سابق عهدها ؟ .
ورغم إن الموضوع يتحمل مزيدا من الاسترسال في الملاحظات والتساؤلات إلا إن ما يهم المواطن هو قيام وزارة التجارة لاتخاذ ما تراه مناسبا في تطوير او تحديث البطاقة الالكترونية على أن لا يتعارض ذلك مع مصالح المواطنين ، إذ يمكن العودة لسياقات البطاقة السابقة في عمليات النقل والفصل والإضافة والحذف ولحين التأكد من اكتمال جميع حلقات المشروع وصلاحيته للتنفيذ ، فخلال فترة التوقف الحالية حصلت العديد من حالات الولادة كما حصلت حالات للزواج والعزل عن العائلة ناهيك عن انتقال السكن إلى أمكنة أخرى ، ونشير بهذا الخصوص إن هناك أضرار تلحق بالمواطن عن عدم إجراء التغييرات فعدم الإضافة يحرم المواليد الحديثة من حصصهم كاستحقاق والذين يشكلون نموا سكانيا يصل لأكثر من 2% سنويا ، كما إن عدم الإضافة يحرم العائدين من السفر والذين ترفع عنهم دواعي الحجب بعد زوال الأسباب ، كما ينشا صعوبات في الحصول على المواد التموينية في أوقاتها عند تغيير السكن العائلي ، وعدم العزل لحالات الزواج وغيرها يعرض العوائل إلى الحرمان من المواد التموينية عندما يكون دخل العائلة مجتمعا أكثر من مليوني دينار شهريا ، ونكرر ما اشرنا إليه في مقالتنا السابقة من إن جهود الحكومة ووزارة التجارة في الاستمرار بالعمل بنظام الحصص التموينية يلقى استحسان معظم المشمولين وله العديد من الفوائد في مجال استقرار الأسعار في الأسواق وتامين بعض متطلبات الأمن الغذائي الوطني وتهيئة جوانب من سبل معيشة لنسبة مهمة من السكان ، فهناك فئات عديدة من شعبنا بحاجة ماسة للمواد التموينية في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعتمد على إيرادات بيع النفط ومحدودية نشاط القطاع الخاص ، كما إن البطاقة التموينية استخدمت خلال ال20 سنة الماضية لأغراض إحصائية وانتخابية واستدلالية وتحديثها بشكل كامل يعطي مزيدا من الأهمية والمصداقية في غياب التعداد العام للسكان لأمد غير معلوم .