قصف إسرائيل للقنصليّة الإيرانيّة في دمشق استفزازٌ وخُروجٌ على كُلّ قواعد الاشتباك
كتب / عبد الباري عطوان
أنْ تقصف صواريخ إسرائيليّة أطلقتها طائرات من أجواء الجولان المُحتل القنصليّة الإيرانيّة المُلاصقة للسّفارة في حيّ المزّة في قلب العاصمة السوريّة دِمشق، ويُؤدّي هذا القصف إلى استشهاد ثمانية أشخاص من بينهم محمد رضا زاهدي القائد الكبير في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، فهذا يعني خُروجًا عن كُلّ قواعد الاشتباك، والتّفاهُمات الأمريكيّة الإيرانيّة السِّريّة بعدم توسيع دائرة حرب غزة في المِنطقة.
هذا عُدوانٌ صريح على إيران وليس على سورية فقط، عُدوان الهدف الإسرائيلي من ورائه إشعال فتيل حربٍ إقليميّة في المِنطقة، وجرّ الولايات المتحدة، أو توريطها على الأصح، إلى هذه الحرب، تكون مُوازية للحرب الأوكرانيّة لجَرّ روسيا إليها أيضًا.
وما يدفعنا إلى الوصول إلى هذه النّتيجة تزايُد أعداد الهجمات الإسرائيليّة على أهدافٍ عسكريّةٍ سوريّة وإيرانيّة، وأُخرى تابعة لحزب الله في جنوب لبنان، أدّت إلى تدمير العديد من القُرى، واغتيال شخصيّاتٍ بارزة في الحزب من الصّفّين الأوّل والثّاني.
***
إسرائيل تعيش أزمات عديدة مُتفاقمة، وخسرت كُل قُدراتها على الرّدع وتوفير الحِماية بالتّالي لمُستوطنيها سواءً في مِنطقة الجليل الشّماليّة أو في مُستوطنات غِلاف قطاع غزة، الأمر الذي أدّى إلى إجلاء أكثر من رُبع مِليون من سكّان هذه المُستوطنات، والأخطر من ذلك تزايُد أعداد الهجرة المُعاكسة إلى روسيا وأمريكا وأوروبا بحثًا عن أماكنٍ آمنة خارج الكيان، بعد انعدام الأمن والاستِقرار وانهِيارٍ للاقتِصاد مُنذ “طُوفان الأقصى” الذي شنّته “كتائب القسّام” في السّابع من تشرين أكتوبر الماضي.
في ظِل هذا التّصعيد الإسرائيلي العسكري المُتواصل، وعُنوانه الأبرز استهداف المصالح الإيرانيّة والسوريّة معًا، يسودنا اعتقاد بأنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة تقف خلفه، ولعلّ صفقات الأسلحة الأمريكيّة للكيان التي تجاوز تِعدادها المئة صفقة، تحتوي على ذخائر وصواريخ وطائرات شبح (25 طائرة إف 35)، و1800 قذيفة من نوع “إم كي 84” (أم القنابل) التي يزيد وزن الواحدة منها عن 2000 رطل، و500 أخرى من الطّراز نفسه بوزن 500 رطل، تأتي في إطار الاستِعدادات الأمريكيّة الإسرائيليّة المُشتركة لاجتِياح جنوب لبنان، وربّما لقصفِ إيران أيضًا.
فلا يُمكن أن يكون تزويد أمريكا إسرائيل بهذا النّوع الأحدث من الطّائرات المُقاتلة (إف 35)، وتلك القنابل ذات القُدرة التدميريّة الهائلة، هو بهدف الاستِخدام في الحرب الحاليّة في قطاع غزة، فلا تُوجد بيئة صخريّة صلبة فيه، ولكنّ هذه البيئة الجبليّة موجودةٌ في لبنان، والجنوب على وجْه الخُصوص، وربّما يُفيد التّذكير بأنّ أوّل تجربة عمليّة لهذه القنابل العِملاقة جرت في جبال تورا بورا في أفغانستان قبل بضعة أعوام.
***
لا نعرف كيف سيكون ردّ الفِعل الإيرانيّ على هذه الاستِفزازات الإسرائيليّة المُعدّة بشَكلٍ جيّد، حيث وصلت السكّين الإسرائيليّة إلى العظم الإيراني، ولكن كُل ما نعرفه أنّ هُناك نهاية حتمًا للصّبر الاستراتيجي الإيراني، فهو صبرٌ قد يكون غير مفتوح النّهايات.
والسُّؤال الأهم: هل سيكون الرّد في حالِ اتّخاذ قرار بتنفيذه مُباشرة، أي من قِبَل الصّواريخ الإيرانيّة، أو قصف سفارة إسرائيليّة سواءً في عواصمٍ عربيّة أو في أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبيّة، غير مُباشر، عبر إعطاء الضّوء الأخضر لحزب الله لإطلاق الصّواريخ الدّقيقة لقصف البُنَى التحتيّة والمُدُن “الإسرائيليّة” في حيفا وتل أبيب وعكا وصفد وحتّى إيلات وديمونا في الجنوب والوسط؟
الحرب الإقليميّة باتت وشيكة جدًّا، وأكثر من أيّ وقتٍ مضَى، وإذا أشعلت إسرائيل فتيلها، فإنّ الرّد الإيراني السوري العِراقي وأذرع حِلف المُقاومة في لبنان واليمن، سيكون مُزلزِلًا، سيضع نُقطة النّهاية للوجود الإسرائيلي.. واللُه أعلم.