لايخدعنا الكذاب الاكبر ..مادور الرّد الإيراني الارباك الدولة الأمريكيّة العميقة؟..وكيف سيكون الصّاعق المُفَجِّر لها؟
كتب / عبد الباري عطوان
إذا كانَ الرئيس الأمريكي جو بايدن غاضبًا من بنيامين نتنياهو، وأن الخلاف بين الرّجلين يتصاعد فعلًا، مثلما تُفيد التّسريبات الإعلاميّة المقصودة، فإنّ هذه “الغضبة” إذا صحّت، فإنّها ليست بسبب اتّساع نطاق حرب الإبادة في قطاع غزة وتصاعُد أرقام شُهدائها، واستِفحال المجاعة في أوساط مُواطنيها، وإنّما بسبب معلوماتٍ استخباريّةٍ أمريكيّةٍ تُؤكّد عزم إيران الثّأر، وبشَكلٍ مُباشر، على العُدوان الإسرائيلي على قُنصليّتها في دِمشق، واستِشهاد سبعة من قِياداتها على رأسِهم الشّهيد اللواء محمد رضا زاهدي رئيس فيلق القدس في سورية ولبنان وفِلسطين.
***
ربّما يختلف بايدن مع نتنياهو المُتمرّد على قيادته الأمريكيّة، والذي يُريد توريطها (أي أمريكا) في حربٍ إقليميّةٍ كُبرى مع إيران ومحور المُقاومة، وربّما مُعظم شُعوب العالم، ولكنّه لا يختلف مُطلقًا مع المشروع الصّهيوني العُنصري التّوسّعي الاستِيطاني، فالرئيس بايدن اعتبر حرب الإبادة، والتّطهير العِرقي اللّذين تُمارسهما دولة الاحتلال وجيشها في قطاع غزة، وبدرجةٍ أقل في الضفّة الغربيّة، نوعًا من الدّفاع عن النّفس، ولم يُطالب مُطلقًا بوقفهما، وعزّز هذا الموقف بتكثيف الجسر الجوّي النّاقل للأسلحة والقذائف وطائرات الشّبح “إف 35” الأحدث في التّرسانة الأمريكيّة.
بايدن يُنافس نتنياهو على لقب “الكذّاب الأكبر”، واختصر المجازر في غزة في خانة المُساعدات وتَجَنَّب كُل الجرائم الأُخرى، ولم يتعاطف مُطلقًا مع أطفال القطاع الشّهداء، ولم يُدِنْ اغتِصاب الجيش الإسرائيلي للحرائر فيه، وبارك الهُجوم على مدينة رفح بحُجّة القضاء على ثلاث كتائب لحماس فيها، ولكنّه أقام الدّنيا ولم يُقعدها عندما أقدم جُنود الاحتِلال على قصفٍ مُتَعَمَّد لسيّارات مُؤسّسة “المطبخ المركزي” الخيريّة وقتل سبعة من العاملين فيها من بينهم أمريكي وبولندي وأسترالي وأربعة بريطانيين.
الخوف من الرّد الإيراني على جريمة القنصليّة في قلب العاصمة السوريّة وتَبِعاته من حيثُ تصاعد احتِمالات قصف السّفارات والقواعد العسكريّة الأمريكيّة في العِراق وسورية والأردن والخليج، وهو رَدٌّ شرعيّ، هو التطوّر الأبرز لحرب غزة التي دخلت شهرها السّابع وتَحَوُّل مجزرة القنصليّة إلى “الصّاعق” الذي ربّما يُفَجِّر الحرب الإقليميّة التي ستُهَدِّد المصالح والنّفوذ الأمريكي في مَنطقة الشّرق الأوسط برمّتها.
إدارة بايدن راهنت على “بغلٍ” دمويٍّ فاجرٍ ومُتَغطرس اسمه الكيان الصّهيوني المُنْكَمِش شِمالًا وجنوبًا، المُنهار سياسيًّا، وأخلاقيًّا، وعسكريًّا، وفشلت كُل مُخطّطاته في قطاع غزة رُغم الدّعم السياسيّ والعسكريّ والإعلاميّ الغربيّ، وجاءت هزيمته على أيدي “القلّة المُؤمنة” المُجاهِدة التي تُقاتل حتّى الشّهادة، وتقديمها نموذجًا في الصّمود، رد، ويَرُد الاعتِبار والثّقة والكرامة للإنسان العربيّ والمُسلم بعد عُقودٍ من الهوان والهزائم، وهُنا يَكمُنُ الخطر الحقيقي على محور الشَّر الأمريكي الإسرائيلي ومُخطّطاته الاستعماريّة.
***
لن ننْخدع بكُلّ التّسريبات الأمريكيّة التي تتحدّث عن خلافٍ إسرائيليٍّ أمريكيٍّ، فالدّولة الأمريكيّة العميقة هي صاحبة القرار النهائيّ في واشنطن، واستِمرار ودعم حُروب دولة الاحتِلال ضدّ العالمين العربيّ والإسلاميّ كانَ، وما زالَ، وسيظلّ، على قمّة أولويّاتها، وغزة التي أطاحت بالرئيس رجب طيّب أردوغان وحزبه في الانتخابات البلديّة الأخيرة، تُوشِك أن تُطيح بنتنياهو وحُكومته، وبدولةِ الاحتلال، وكُلّ داعميها، وعلى رأسِهم الرئيس بايدن وحزبه الديمقراطي، ومُعظم، إنْ لم يكن كُل، القادة العرب الذين يتعيّشون على فُتات مُساعداتها، ويحتَمون بخيمتها.. والأيّام بيننا.