إردوغان.. هزيمة متوقعة وما تبقى لعب في الوقت الضائع
تبدو الهزيمة التي تعرض لها الرئيس رجب طيب إردوغان وحزب العدالة والتنمية في الإنتخابات البلدية, على الرغم من كونها الأولى منذ 22 عاماً, لكنها لم تكن مفاجئة, وهو الذي أكد قبل خوض المعركة كمهزوم مؤكداً أنها ستكون الأخيرة له كرئيس لحزب العدالة والتنمية، وبأنه “سيعتزل العمل السياسي”, وبأنها “النهاية” بالنسبة له.
وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء قرار إنهاء حياته السياسية, يرى البعض أن العمر والحالة الصحية والدستور, تجتمع لتشكل ثلاثية منعه من متابعة ما قد بدأه منذ عقود في الحقل الحزبي والسياسي وكرئيس للدولة التركية, في وقتٍ لطالما أثار فيه هو وحزبه الجدل والإعتراض على الدعوة لكتابة دستورٍ جديد للبلاد, وبما تحمله هذه الدعوة من خلفيات قد تسمح له بالترشح دائماً وأبداً.
على الرغم من النجاحات والإنجازات الداخلية التي حققها الرئيس إردوغان خلال العقد الأول لحكمه والتي غابت تماماً في السنوات اللاحقة, تراه لا ينفك ولا يمل الحديث عنها, وينسب فيها الفضل لسياسته وسيطرة حزب العدالة والتنمية على غالبية مفاصل الحكم والإدارة, لكن الواقع جاء ليشي بحقيقة أخرى, تمت ترجمتها اليوم في صناديق الإقتراع, وأظهرت تراجع نسب تأييدهم الشعبي, وحصولهم على 35.5 % من أصوات الناخبين, مقابل حصول حزب “الشعب الجمهوري” المعارض على 37.7 % , على الرغم من خوضه الإنتخابات بشكل منفرد وبدون تحالفات.
وبالفعل حصل ما توقعه إردوغان, وأتت النتائج بعكس ما تمناه وحزبه “العدالة والتنمية”, واعتبر أنها شكلت “نقطة تحول” في تركيا, وبدا خاضعاً قانعاً, ولم يدافع عن الهزيمة ولم يبتكر التهم للاّخرين كعادته, وأعلن احترامه “قرار الأمة”, في دلالة واضحة لقرائته المسبقة لتراجع حزبه العثماني الديني, أمام الأحزاب العلمانية “الكمالية” المتشددة والأحزاب القومية, وأمام الحركات والهيئات ومؤيدي تيارات الرأي المعاصر والموازي للأفكار السائدة في أوروبا وحول العالم, التي تتطلع إلى قضايا الديمقراطية والحريات وحقوق المرأة و”حقوق” المثليين, والباحثين عن وجه تركيا الأوروبي وتفضيله على وجهها العثماني الديني.
إن توصيف وتقييم إردوغان نتائج الانتخابات بـ “نقطة التحول”, يبدو تعبيراً لطيفاً للغاية أمام حقيقة صفعه وطرد حزبه من العاصمة أنقرة ومن أهم المدن الكبرى كإزمير وأضنة وبورصة, ومن بعض المدن والمحافظات التي كانت تعرف بأنها معاقله التاريخية, لصالح حزب الشعب الجمهوري بزعامة أكرم إمام أوغلو, ما يدفع للتساؤل, هل كان الواقع المعيشي والإقتصادي هو الدافع الوحيد وراء منح الناخبين أصواتهم لخصوم إردوغان وحزبه, أم بدافع الإنتقام الشعبي لما اّلت إليه أوضاع البلاد الاقتصادية والمالية, ومجمل السياسات الداخلية والخارجية.
وفي خطاب ما بعد الهزيمة, أعلن إردوغان ضرورة قيام حزبه بدراسة النتائج وتحليل أسبابها, وهنا يطرح السؤال نفسه, هل يستطيع من أشعل الحرائق إطفائها ؟, هل سيكتشف حزب العدالة والتنمية أن تراجع شعبيته في عدد من البلديات أتى نتيجة عدم إهتمام الناخبين وخصوصاً فئة الشباب منهم , بمواقف إردوغان ونفاقه وخطاباته الدينية, الشعبوية, العاطفية, تجاه قضايا العالم الإسلامي وتحديداً تجاه القضية الفلسطينية, بالتوازي مع سياساته الداعمة للكيان الإسرائيلي, وسط ضجر الناخبين من سياسة الأرجحة التي دأب إردوغان على ممارستها منذ بداية الحرب الأوكرانية – الأطلسية الأوروبية على روسيا, وكذلك أرجحته على حبال المصالح المتعاكسة ما بين موسكو وواشنطن, وهزائمه في الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي, وموافقته على انضمام السويد إلى الناتو وهي التي تحتضن حزب العمال الكردستاني, وسط لمحاولاته الدؤوبة للتوسع العسكري على أساس الماضي العثماني البائد, وبالإضافة إلى دوره السلبي السيء وتدخله السافر في شؤون الدول المجاورة, ورعايته للتنظيمات الإرهابية, وزعزعة الأمن وإستقرار تلك الدول والمنطقة والعالم.