ايران ترد في العمق الإسرائيلي.. ماذا بعد؟
كتب / كمال خلف ..
هذه المرة الأولى التي تضرب بها ايران إسرائيل مباشرة في عمق إسرائيل، سبق ان استهدفت ايران مصالح ومقرات للاستخبارات الإسرائيلية في أماكن مختلفة، ردا على اعتداءات إسرائيلية استهدفت المصالح الإيرانية، كما جرى حين شنت ايران هجوما على مقر تابع للموساد الإسرائيلي في أربيل شمال العراق. لكن هذا الهجوم اليوم مختلف كليا، ويدخل التاريخ، ويدخل المنطقة كلها في تاريخ جديد. ولعمري انه حدث كبير، بمستوى التحولات الهائلة التي نشهدها يوميا على مستويات متعددة.
معروف ان الاستهداف الإيراني للعمق الإسرائيلي اتى ردا على عدوان إسرائيل عل القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال قادة بارزين في الحرس الثوري، لكن ما كانت تريده ايران ربما هو ابعد من ذلك، ويرمي الى تشكيل ماهو جديد، يجب مسار سنوات قبله، وتبني على معطيات حديثة لموقع إسرائيل الراهن في البيئة السياسية والأمنية الإقليمية والدولية.
بتقديرنا ان اطراف محور المقاومة كلهم باتت لديهم قناعة ان إسرائيل لجأت الى الافراط في استعراض العضلات خارج نطاق جغرافية الحرب في غزة، للتمويه على حالة الضعف التي وصلت اليها، واتبعت سياسية التظاهر بمن لا يخشى حربا اومن يسعى الى فتحها، بينما الحقيقة ان إسرائيل بوضع لا تستطيع فيه الدفاع عن نفسها منفردة، وان هناك إمكانية باتت باليد لهزيمتها هزيمة مطلقة، لو كانت المواجهة معها هي فقط وليس مع الأطلسي والدول الغربية والولايات المتحدة. يوم امس تولت الطائرات الامريكية والبريطانية مهمة التصدي للمسيرات والصواريخ الإيرانية.
ان ما جرى في السابع من أكتوبر وما تلاه في شهوره الستة حفر عميقا في جسد إسرائيل الأمني والسياسي وحتى الاجتماعي ولم تستطع رغم كل ما فعلته من اجرام ان تعدل الصورة، او تخرج من وطأة الحالة الجديدة. بل ما جرى هو العكس عمقت إسرائيل من ازمتها، وبدأت تتشكل ملامح ساحة عالمية قد تكون في يوم الأيام غير قادرة على المواءمة بين تطلعات شعوبها و السياسات الإسرائيلية الموغلة بالابادة والقتل والتدمير وانتهاك القانون الدولي والإنساني. وبالتالي غير قادرة على حمايتها حين تدق ساعة الحسم. وهي اتيه لا ريب فيها
قد يذهب البعض محقا في توصيف الهجوم المباشر الأول لإيران في تاريخ الصراع بين البلدين، بانه نوع من محاولة إيرانية لفرض معادلة ردع، تلجم إسرائيل عن التمادي في هجماتها ضد المصالح الإيرانية، الى ان وصلت الى تجاوز الخطوط الحمر وضرب القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية العالمية واستهداف القنصلية الإيرانية بدمشق. بيد اننا ملزمون وجوبا، ربط الهجوم الإيراني بفرادته بسياق الاحداث منذ طوفان الأقصى، والمراحل التي مرت بها الحرب الإسرائيلية في غزة أولا، وجبهات الاسناد متعددة الجغرافيا والأساليب، ووضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والنظام الدولي، ونظرة المجتمع العالمي للحرب الإسرائيلية.
ومن خلال هذا الربط يمكن الاستنتاج، بان محور المقاومة يتقدم بخطوات لوضع إسرائيل في مكانها الفعلي وفق حجمها الجديد، المناقض لما كانت عليه منذ العام ١٩٤٨ مرورا بتاريخ من الحروب ضد العرب، جعلها بمكانة التفوق والغطرسة، وفرض الشروط المجحفة بحق شعوب المنطقة.
اللازمة الامريكية المكررة في صلب مواقف المسؤولين الأمريكيين ” باننا لا نريد حربا في الشرق الأوسط ” ولا نريد توسيع الحرب ” هي لا تعني منع الحرب على كافة الأطراف، او الاستقرار الاقليمي، او تجنيب شعوب هذه المنطقة ويلات الحرب ابدا. هي تعني شيئا وحدا ” نحن غير مستعدين للحرب، والحرب ليست في مصلحة إسرائيل ” هذا هو فقط المعنى الحقيقي لهذه اللازمة ولهذه السياسية.
ولو كانت الحرب ستقضي على حزب الله او ايران او حركة انصار الله، لكانت الحرب في يوم الثامن من أكتوبر ولما تأخرت عن ذلك يوما واحدا. وقد فعلتها الولايات المتحدة بابشع صورها في العراق، وسورية، وأفغانستان، ولبنان ٢٠٠٦. هم فقط غير قادرين وغير مستعدين. ولهذا السبب تسعى الإدارة الامريكية لضبط الإيقاع مرة أخرى، وتحض إسرائيل على عدم الرد، وتدارس أي رد تنوي إسرائيل القيام به معها، وان لا يودي الى حرب مفتوحه وواسعة.
ما نحن ذاهبون اليه بعد هذا الرد الإيراني في عمق إسرائيل وبهذا الكم من المسيرات والصواريخ، هو ان تتحول إسرائيل ساحة، ولن يكون وضعها كما كانت، تعتدي وتقصف وتدمر في غزة والضفة ولبنان وسورية وايران ، وشعوب المنطقة تعاني من الحصار والعدوان ، بينما إسرائيل تنعم بالامن وشعبها يعيش مرفه ومنعم.
إسرائيل ستكون ساحة مفتوحة، شعبها يشرد كما تشرد شعوبنا، ومدنها تقصف كما تقصف هي والولايات المتحدة مدننا، واقتصادها يعاني كما تعاني دولنا. هذه مرحلة وصلنا اليها، وما هو قادم اعظم.