لعشّاق نظرية المسرحية: “لقد فقعنا في الوَخ”!
كتب / د. كمال ميرزا
بمجرد أن تمّ الإعلان عن بدء الردّ الإيراني على عدوان الكيان الصهيوني، وقبل حتى أن تتضح معالم هذا الردّ وحجمه ومآلاته.. خرجت هناك أبواق عبر الإعلام والسوشال ميديا تقلل من شأن هذا الردّ، وتشكك فيه، وتصفه بـ “المسرحية” الموجّهة ضد الشعوب والأنظمة العربية!
حسناً، لماذا لا تُنتج لنا الأنظمة العربية مسرحية بحجم هذه المسرحية الإيرانية/ الإسرائيلية المزعومة، أو لعل البعض يفضّل وصفها بالصفوية/ الصهيونية؟
لا نريد إنتاجاً ضخماً ومُكلفاً على غرار ما رأيناه بالأمس في عملية “وعده الصادق”، نحن نعلم أنّ الأنظمة العربية لديها أولويات أخرى لإنفاق ثرواتها ومقدّراتها، كمنحها طواعيةً للأمريكان مثلاً.. أو شراء الحضارة دلفري مغلّفة بأكياس ومعبأة في زجاجات وعلب.. أو تأمين مستقبل مسؤولين وعساكر ونخب مسكينة عبر فتح حسابات توفير لهم ولأبنائهم وأبناء أبنائهم في جزر نائية تحوّطاً من تقلّبات الزمان.. أو تمويل حروب أهلية وفتن عربية واقتتال عربي – عربي داخلي!
سنكتفي من الأنظمة العربية ولو بمسرحية أطفال قصيرة من فصل واحد تتناسب مع قدرات عقولنا المحدودة، يقومون خلالها بإطلاق “فشكة” واحدة، فشكة واحدة فقط، باتجاه الكيان الصهيوني.. وحبذا لو كانت هذه الفشكة من تصنيعهم!
إذا كان الكيان الصهيوني بحسب زعم القائلين بنظرية المسرحية يسمح لإيران بقصف قواعده وزعزعة صورة “البعبع” التي نسجها لنفسه على مدار عقود وعقود فقط من أجل حبك الدور وخداع الجمهور، فلماذا لا يسمح الكيان للأنظمة العربية بنصف أو ربع ذلك من أجل حبك أدوارهم وحفظ ماء وجوههم هم أيضاً؟! أليسوا أولى بذلك بحكم الاعتدال والقُرب والأخوّة الإبراهيميّة؟!
لماذا لا تقطع الأنظمة العربية علاقاتها مع الكيان الصهيوني (ولو مؤقّتاً) فقط من باب الحبكة المسرحية؟
ولماذا لا تلغي معاهداتها الموقّعة مع الكيان الصهيوني أيضاً من باب الحبكة المسرحية؟
ولماذا لا توقف جميع أوجه النشاط الاقتصادي والتبادل التجاري معه لنفس الغرض؟
ولماذا لا تعلن التعبئة العامّة والتجنيد الإجباري؟
ألسنا الأصدقاء المقرّبين والحلفاء المخلصين للمُنتِج والمُخرج وكاتب السيناريو؟ فلماذا إذن يمنحون إيران معاملة تفضيلية علينا، ويختصّونها بأدوار “البطولة”، في حين نبقى نحن عالقين في أدوار “الكومبارس”؟!
ومع هذا فإنّ “نظرية المسرحية” لا تخلو من طرافة وجاذبية وسهولة، وهي تغري بالتنبني أكثر من السيناريوهات البديلة التي تتركنا كشعوب وأنظمة عربية (وإسلامية) عراةً أمام حقيقة ضعفنا وتشرذمنا وتخاذلنا وتواطؤنا.. ولكن يبقى هناك سؤالان مُلحّان ما تزال “نظرية المسرحية” عاجزة عن إعطاء إجابة مقنعة وشافية إزاءهما:
السؤال الأول: ما هو ذلك الشيء الموجود لدى أنظمة الاعتدال العربية السُنّية ويستدعي كلّ هذا التآمر ضدّها؟
ما هو مشروع التحرّر الوطني أو الوحدة القومية أو الإحياء الديني الموجود لدى هذه الأنظمة ويستدعي تآمر وتحالف المشروعين الإيراني والصهيوني (وفي سياق آخر التركي) من تحت لتحت ضدّها؟
عندما تتأمل في حال أنظمة الاعتدال العربية تجد مشروعها الوطني ينحصر في الأمركة، والمزيد من الأمركة، وتجفيف منابع الدين والتراث والعادات والتقاليد، وبيع ثروات ومقدّرات الدولة بذريعة تشجيع الاستثمار على يد سماسرة ووكلاء محليين، واللهاث المحموم وراء التطبيع، ودمج الكيان الصهيوني في المنطقة والاندماج معه، وإقامة مشاريع السلام الاقتصادي الموعودة التي تتعامل مع ثروات المنطقة كمشاع وشعوب المنطقة كخزّان بشري فائض من الأيدي العاملة الرخيصة!
بكلمات أخرى، لماذا ستتآمر “إسرائيل” ضدّ أنظمة الاعتدال العربية إذا كان جوهر مشروع هذه الأنظمة هو أن تهيم حبّاً بـ “إسرائيل” وتمنحها كل أسباب الاستقرار والاستمرار والازدهار؟!
السؤال الثاني: نظرية المسرحية تقتضي أنّ الجانبين الإيراني والصهيو – أميركي يتآمران ضد العرب، وبالتالي فإنّ ردّ الفعل يُفترض أن يكون موجّها ضد طرفي المؤامرة بشكل متكافئ، ولكن لماذا نجد ردود أفعال القائلين بنظرية المسرحية تتجه دائما نحو مناصبة إيران و”وكلائها” وحدهم العداء.. وفي المقابل المزيد من التماهي مع الصديقين الأميركي والصهيوني، وتبرير العلاقة غير النديّة وغير المتكافئة التي تربط الأنظمة العربية بهما؟!
عموماً، الحرب في نهاية المطاف ليست مشاجرة في حارة على طريقة “المسلسلات الشامية”، وليست فيلماً هولويووديّاً أو بوليووديّاً النصر فيه معقود بناصية البطل المختار الخارق الأوحد!
في عالم السياسة والجغرافيا السياسية والعلوم العسكرية هناك مفاهيم مثل “قواعد الاشتباك” و”معادلات الردع” و”موازين القوى” و”توازن الرعب” و”القوى الصلبة والناعمة” و”التخطيط الإستراتيجي والتكتيكي”.. الخ، وفي ضوء مثل هذه المفاهيم تتم قراءة وتقييم مسارات ومآلات الوقائع والأحداث على الأرض، خاصة في حالة الصراعات الكبرى واسعة النطاق مكانياً والممتدة عبر الأجيال زمانياً.
أمّا المنطق الساذج والمتهافت الذي يصرّ أنصار “نظرية المسرحية” على خداع أنفسهم به، فهو يذكّر بدور الفنان “عادل إمام” في فيلم “مرجان أحمد مرجان” عندما فشل في ترديد العبارة الوحيدة المطلوبة منه بشكل صحيح: لقد فقعنا في الوخ (لقد وقعنا في الفخ)!
ومع هذا فقد فاز “مرجان أحمد مرجان” بجائزة أفضل ممثل بفضل رشوته لأعضاء لجنة التحكيم، فما الذي في جعبة أنصار نظرية المسرحية وأنظمتهم ليرشوا به لجنة التحكيم هذه المرّة؟!