الردّ الإيراني والمعادلة الجديدة
كتب / سالم مشكور
قضى الغزيّون ليلة الأحد الماضي أول ليلة هادئة بعد 190 ليلة من القصف وأزيز الطائرات. تنفسوا الصعداء بعد حبس انفاسهم وعيشهم في قلق القصف والموت اليومي، بعدما أشغلت صواريخ ايران ماكنة التطهير العرقي الإسرائيلية عن غزة. الإسرائيليون هم أيضا تنفسوا الصعداء بعد 4 ساعات من المطر الصاروخي والمسيّر بعدما رؤوا جاء الرد الايراني الذي انتظروه طوال أيام من حرب الاعصاب التي مارسها الإيرانيون. تنفسوا الصعداء بعدما أعلنت إيران انتهاء الرد. ثالث من تنفّسوا الصعداء في هذه الليلة هم أصدقاء ايران الذين بدؤوا يشعرون بالحرج من تأخر الرد وتصاعد تساؤلات و»شماتة» من يدفعهم كره ايران (لأسباب سياسية أو طائفية) إلى مناصرة إسرائيل. أحدهم كتب داعيا الله أن ينصر غزة على إسرائيل واسرائيل على ايران. أما نحن في العراق فقد راقبنا الصواريخ والمسيرات الإيرانية تعبر أجواءنا وانقسمنا بين سعيد بها وحانق عليها، كرهاً لإيران أو خوفاً من اتساع نطاق الحرب إلى داخل العراق. الفلسطينيون في أرجاء وطنهم المحتل كانوا فرحين بما جرى فهم يرون – بعد يأس طويل- صواريخ تقصف المحتل وتشل اعصابه وحياته. فقد تفاعلوا من قبل مع صواريخ صدام التي اطلقها على إسرائيل وأحبوا صدام لهذا السبب، وكلما ناقشت فلسطينيا -أو حتى عربيا- قال لك ان صدام فعل بإسرائيل ما لم يفعله العرب خلال عقود. بما جرى مساء السبت ستكسب ايران شعبية وتأييداً كبيرين لدى الفلسطينيين وكثير من العرب، وهذا أحد مكاسب طهران من عملية الرد على قصف إسرائيل لمقر قنصليتها في العاصمة السورية والتي تعتبر أرضا تابعة للسيادة الإيرانية.
لكن المكسب الأكبر لطهران من هذه العمليات هو انها وضعت معادلة جديدة في صراعها مع إسرائيل تقوم على الردع المتبادل. فبعد سكوت ايران على سنوات من العمليات الاسرائيلية، التي استهدفت منشآت وشخصيات عسكرية ونووية إيرانية، جاءت هذه العمليات لتقول انها سترد على كل عدوان بضربة. البعض يقول إن ذلك يشمل الاعتداءات على أماكن إيرانية فقط دون الوجود العسكري الإيراني في سوريا مثلا، إلا أن الواقع يقول ان الصراع الإيراني الإسرائيلي بدأ مرحلة جديدة تقوم على الرد على أي اعتداء يطال إيرانيين سواء كانوا في داخل ايران أو خارجها، فضلا عن المنشآت العسكرية والمراكز العلمية.
أغلب العارفين بالطبع الإيراني، لم يكونوا يتوقعون هذا الشكل والسرعة من الرد على الاعتداء الإسرائيلي، بل كانوا يرون ان ما تمارسه ايران هو حرب أعصاب وتهويل بحجم الرد، لتنتهي بضربة نوعية موجعة لكنها ستكون مقبولة من الكيان الإسرائيلي باعتباره اقل من المتوقع، وكونه ينهي حالة القلق والفزع التي لا يتحملها الإسرائيليون، حكاما
ومجتمعاً.
لكن يبدو أن ايران أرادت تغيير منهجها المعتاد، بعدما كبدها القصف الإسرائيلي لقنصليتها ثلّة من خيرة القيادات العسكرية لديها. يضاف إلى ذلك اطمئنان الإيرانيين، بان لا تدخّل من الولايات المتحدة في هذا الصراع تحاشيا لتوسيع رقعته، في وقت تركز واشنطن جلّ جهودها على مواجهة الصين وحرب أوكرانيا، وهو ما دعاها إلى تهدئة كثير من الساحات المتوترة في المنطقة وبينها الساحة العراقية، التي تنعم بالهدوء منذ حوالي عام ونصف. يضاف إلى ذلك ان الانتخابات الأميركية على الأبواب، ولدى بايدن الكثير من عوامل الخطر على مصيره لولاية ثانية، ولا ينقصه التورط في خطر جديد على مصيره. وبالفعل فان الرئيس الأميركي تحدث عن الدفاع عن إسرائيل اذا تعرضت لخطر، دون أن يعني ذلك المشاركة في أي رد لها على ايران، بل طلب من نتنياهو التشاور مع ادارته قبل المبادرة إلى أي رد على ايران، ولا يغيب عن هذه الإدارة أن نتنياهو يسعي جاهداً لجرّ واشنطن لتوسيع رقعة هذه الحرب لحماية نفسه من تبعات حرب الإبادة في
غزّة.
ما حدث مساء السبت 14/ 4 يعد ضربة معنوية جديدة لإسرائيل لكنها تأتي هذه المرة من ايران مباشرة، بعد ان تلقت عدة ضربات سابقة على يد أطراف تُصنّف صديقة لإيران، لتعمّق مأزق نتنياهو الداخلي. ومنذ الآن سيكون الصراع بين الجانبين وفقاً للمعادلة الجديدة التي وضعتها ايران بهذه العملية.