من آمرلي إلى الساتر الغربي
كتب / عبد الزهرة محمد الهنداوي
الدراما، بشكلٍ أو بآخر، تمثل انعكاسا لواقع ما، وهي تضيء على ذلك الواقع، برؤية فنية، تبث بين ثناياها عددا من الرسائل، المباشرة أو غير المباشرة، التي تريد من خلالها، التأكيد على فعلٍ معين، أو انتقاد سلوكٍ أو ظاهرة، أو الترويج لفكرة بعينها.
وشهد شهر رمضان الاخير، بوصفه الربيع الحقيقي للدراما، غزارة غير مسبوقة في الإنتاج الدرامي العراقي، وصل إلى نحو (30) عملا، تناولت مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية، والامنية، والتاريخية، وبأساليب متعددة.
وفي الغالب دارت الاحداث- كما هو المعتاد- حول محور الصراع بين الخير والشر، ولكن باختلاف وجهات النظر، والزمان والمكان، والشخوص، فهذا الصراع يأخذ أشكالا مختلفة، قد يبدو في بعضها غير واضح الابعاد، لدرجة يصعب معها التفريق بين الخطين، حتى يصل المتابع إلى نهايات الصراع، ليكتشف انه كان مخدوعا، بهذا الطرف أو ذاك، لاسيما اذا راعى طرفا الصراع (شرف الخصومة) بينهما، وإن كانت تلك الخصومة بمستوى الصراع المستدام.
ولكن في مقابل هذا الصراع غير الواضح في بعض مساراته، نجد أنواعًا أخرى من الصراع، تبدو فيها زوايا الوضوح حادة، فالشر هنا سيكون مطلقا، ولا مندوحة من عدم تشخيصة، أو الادعاء بعدم معرفته، وقد تجلى ذلك الشر بعصابات داعش الارهابية، وما ارتكبته تلك العصابات من جرائم غير مسبوقة.
ومن هنا كان على الدراما العراقية أن تفضح تلك الجرائم، وأن تضيء على ما فعله العراقيون من ملاحم اسطورية في مواجهة هذا الشر المطلق.
فضائيتان عراقيتان انفردتا في هذا الموسم الدرامي، في عرض مسلسلين مهمين، وهما قناة الرابعة، التي عرضت مسلسل امرلي بـ(21) حلقة، وقناة الرشيد التي عرضت مسلسل (الساتر الغربي)، بـ(25) حلقة.
دارت احداث مسلسل «الساتر الغربي»، حول صمود أهالي مدينة حديثة، أثناء تصديهم لتنظيم داعش، فيواجهون حصارا قاسيا، يتسبب بشح الغذاء والدواء، وفقدان الاهل والاحبة، ولكن كل هذه القسوة والموت الذي سعى الارهابيون إلى نشره في كل ارجاء المدينة، ومع اشتداد الحرب النفسية التي سلطها الاشرار على ابناء حديثة، الا انهم لم يهنوا ولم يضعفوا، مع وجود مَن وهن وضعف فخارت قواه، فصمدوا ايما صمود، ولم يسمحوا بتدنيس مدينتهم حتى تحقق النصر، وصهرت نيرانهم اضلاع الدواعش.
شارك في «الساتر الغربي» نخبة من الفنانين العراقيين الكبار، مع بزوغ نجوم جدد ظهروا في المسلسل بأداء متميز. وبتقديري ان المسلسل نجح على الرغم من محدودية ميزانيته، في تعريف الرأي العام بالاحداث التي شهدتها حديثة، اما مسلسل «امرلي»، فكان عملا ضخما من حيث الامكانات الفنية والاخراجية، فجاء بأسلوب درامي حربي، لدرجة يجعلك تتماهى مع الاحداث إلى مديات بعيدة، وشارك في اداء ادواره ايضا نخبة من كبار الفنانين العراقيين، فيما كانت البطولة للنجم الايراني مصطفى زماني، (يوزر سيف).
وعلى الرغم من الملاحظات التي اثيرت حول احداث هذا المسلسل، والتي من بينها انه تجاهل أدوارا مهمة واساسية لجهات اخرى كانت لها مساحة كبيرة في تحرير امرلي، الا انه نجح فعلا في رسم صورة مزدوجة، لعظمة بطولات ابناء هذه المدينة التي تعرضت لحصار داعشي غير مسبوق، مقابل وحشية وبربرية وهمجية الدواعش، الذين منعوا حتى الماء عن أبناء امرلي..
وعلى الرغم من أن اجواء المسلسلين (آمرلي) و(الساتر الغربي)، كانت اجواء حرب وموت وجوع، وصمود وبطولات، الا انهما لم يغفلا الجوانب الرومانسية والانسانية، فكان الحب حاضرا بقوة في الكثير من التفاصيل، والعلاقات الانسانية الصادقة وصفاء القلوب، هي الأخرى برزت في تلك الاجواء، التي كانت تتنفس الموت والحياة، والشر والخير، في جميع جزيئاتها. ولكن في النهاية انتصر الحب وانبثقت حياة جديدة في امرلي وحديثة، في رمزية عالية تعبر عن انتصار الخير على الشر، على الرغم من شراسة الصراع بينهما.