دبلوماسيَّة المياه بين دول العالم
كتب / ا.د.محمد بهجت ثامر
المياه مورد مشترك لا تعترف بالحدود السياسية بين الدول، لأنها تتدفق طبيعيا إذ تتقاسم (154) دولة حول العالم(310) أنهر وبحيرات و(592)خزان مياه جوفية عابرة للحدود ويعيش حوالي (52)% من سكان العالم داخل أحواض الأنهار المشتركة، ووفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية، يعاني حوالي (1.6) مليار شخص من ندرة المياه في العالم، وقد تتضاعف الأرقام في السنوات العشرين المقبلة.
اذ أدت التغيرات المناخية إلى تزايد ندرة الموارد المائية وزيادة الطلب عليها ولا سيما بعد زيادة سكان العالم وارتفاع مستويات التحضّر. إلى جانب سوء ادارة المياه، اذ تعتبر المياه موردًا حيويًا واستراتيجيًا لكل دولة، وعندما تكون الموارد المائية مُشتركةً بين عدة دول فإن ذلك قد يؤدّي إلى صراعات ونزاعات، لا سيما أن ندرة المياه تُشكّل تهديدًا خطيرًا للدول لارتباطها بالأمن الغذائي، وهذا من شأنه أن يحدث توترات سياسية بين دول العالم، لذلك يتعين على الدول التفاوض والتعاون للتوصل إلى اتفاقيات ومُعاهدات مائية تنظم استخدام وتوزيع المياه المُشتركة وتُحقق العدالة والتعاون، وهنا تبرز أهمية استخدام دمبلوماسية المياه لحل التوترات القائمة على المياه بشكل سلمي في العالم، وقد تكون محركًا للاستقرار في العالم اجمع، لذلك لا بد من تعزيز المفاوضات وتقاسم الضرر بين الدول المتشاطئة، وأن تكون شح المياه سببا للتعاون وليس سبباً للنزاع بين الدول، اذ تؤدي النزاعات بين الدول حول المياه إلى تفاقم الضغوط الاقتصادية.
وتشير دبلوماسية المياه إلى المجهودات الدبلوماسية والتفاوضية المُتعلقة بقضايا المياه بين الدول والمُنظمات الدولية، والتي تنشأ نتيجة للنزاعات المُحتملة حول موارد المياه المُشتركة واستخدام المياه الدولية، وتأثيرات التغيرات المناخية على توزيع وتوفر المياه من خلال تحقيق التوازن بين احتياجات الدول المائية وهي باختصار فن استخدام المياه، كأداة لإدارة العلاقات الدولية من خلال استخدام الآليات المُناسبة لإدارة موارد المياه المُشتركة وحل النزاعات المُتعلقة بالمياه لضمان السلام والاستقرار في المناطق، التي تندر فيها المياه وذلك من خلال المُفاوضات الثنائية والمُتعددة الأطراف وإنشاء لجان استشارية دولية للتعامل مع القضايا المائية. اذ يمكن أن تلعب المُنظمات الدولية كالأمم المُتحدة ومنظمة الصحة العالمية ومُنظمة اليونسكو في تسهيل عمل الدبلوماسية المائية وتعزيز التعاون بين الدول، ووفقا لتقارير اممية سيواجه العالم عجزا بنسبة(40)% في إمدادات المياه في عام 2030 وهنا تبرز أهمية دمبلوماسية المياه والتي تقدم مخططاً شاملاً للتوصل إلى اتفاقات بشأن المياه المشتركة، إذ تكمن اهميتها في توفير أدوات متنوعة للحوار بين أصحاب المصلحة الذين يتقاسمون مورداً مائياً، واتخاذ تدابير جوهرية لتحسين التعاون المائي بين دول العالم. ومن المتوقع أن يرتفع الطلب على المياه بنسبة (55)% بحلول عام 2050 في حين تم استغلال(20)% من المياه الجوفية العالمية فقط. وهناك طرائق مثلى عديدة لمُمارسة دبلوماسية المياه بين الدول المتشاطئة منها:
- تشكيل مجلس اعلى للمياه للتفاوض بشأن اتفاقيات المياه، وهو مسؤول عن إدارة موارد المياه ويمكن أن تكونَ هيئة مُستقلة تتبنى دبلوماسية مياه شفافة وتأطير قضية المياه ضمن مبدأ حقوق الإنسان ورفع شعار الماء من اجل الحياة.
- استحداث منصب خبير مائي في سفارات الدول المتشاطئة كما حول الحال في الملحق العسكري والذي يكون خبيراً عسكرياً يعمل مع البعثة الدبلوماسية ويفضل ان يشغل هذا المنصب أحد المتخصصين الهيدرولوجين الرفيعي المستوى.
وهناك أمثلة وشواهد تاريخيّة على دبلوماسية المياه في العالم منها معاهده إندوس ووترز بين الهند وباكستان والتي تم توقيعها في عام 1960، وحددت آلية تقاسم نهر السند بين البلدين. كما نجحت معاهدة مياه السند في منع الصراع بين الهند وباكستان على نهر السند. لذلك لابد من إبرام العديد من الاتفاقيات بين الدول المتشاطئة كدول حوض الفرات والنيل ودول حوض المتوسط، فالأنهار شريان تواصل بين الدول فمن المنطقي ان ترفع حالات التعاون لا الصراع ومن ثم سينعكس ذلك على بناء الثقة والتعاون بين الدول وتعمل على ايجاد حلول مُبتكرة للمشاكل المتعلقة بالمياه، كل هذه الآليات تشكل سبلًا لدبلوماسية المياه لتعزيز السلام والأمن في المناطق التي تكون فيها المياه مصدرًا للصراع ومن ثم سينعكس ذلك على استخدام امثل للمياه في القطاع الزراعي والذي يعد المستهلك الأكبر للمياه في العام ومن ثم القطاع الصناعي، وهذا سينعكس مردوده اقتصادياً على دول