مقارنة بين العملية الإيرانية والعملية الإسرائيلية
كتب / د. جلال جراغي
فضحت الضربة الايرانية على إسرائيل الكثير من الحقائق منها هشاشة وعجز المنظومة الدفاعية الإسرائيلية التي تشمل ثلاث طبقات دفاعية مختلفة، إضافة إلى سلاحها الجوي الذي يشمل طائرات اعتراضية. أضف إلى ذلك، فإن هناك ثلاث دول عظمى أي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وكذلك الأردن شاركت في عملية اعتراض الصواريخ والمسيرات الإيرانية مع أحدث أنظمتها الدفاعية والصاروخية. إذن فإن الفارق الأول بين عملية “الوعد الصادق” الرد الإسرائيلي عليها بالعدوان على مدينة أصفهان، يعود إلى أن إيران بصواريخها ومسيراتها كانت بوحدها أمام أنظمة الدفاع الصاروخي الأكثر تطورًا لثلاث دول عظمى إضافة إلى أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلي والأردني.
الفارق الثاني بين العملية الإيرانية والعملية الإسرائيلية كان نوع “المفاجئة” التي شهدها العالم، حيث كانت إسرائيل بعد كل التوعد والتهديد قامت بعملية فاجأت المتابعين بحيث في البداية لم يكن حتى المسؤولون الإيرانيون يصدقون بأن اسرائيل هي من تقف وراء العملية التي إن دلت على شئ فإنما دلت على صبيانيتها ومسخرتها مثلما وصفها وزير الأمن القومي الإسرائيلي “إيتمار بن غفير”، ذلك أن العملية لم ترتق إلى مستوى عملية عسكرية معهودة في الحروب.
الفارق الثالث هو أن العملية الإيرانية أعادت رسم معادلات جديدة ورسخت قوة الردع الإيرانية وجددت مكانة إيران على المستويين الإقليمي والدولي فيما أن العملية الإسرائيلية لم ترتق حتى إلى مستوى عملية عسكرية مدروسة وجادة تعيد هيبة إسرائيل المنهارة.
الفارق الرابع هو أن عملية “الوعد الصادق” كانت عملية واسعة ومعقدة ومركبة أثارت إعجاب المتابعين من الدوائر والجهات السياسية والعسكرية والإعلامية الرسمية وغير الرسمية، بينما العملية الإسرائيلية شكلت مدعاة للمهزلة والمسخرة من قبل مختلف الجهات داخل إسرائيل أو خارجها.
الفارق الخامس هو أن العملية الإيرانية كانت انجازا استخباريا ومعلوماتيا ما فاجأ إسرائيل، ذلك أنه بعد الهجوم الإسرائيلي على مكتب قنصلية إيران في محيط سفارتها بدمشق، كان تقييم أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية هو أن إيران لن ترد عليها مباشرة من أراضيها، غير أن إيران بالقيام بهذه العملية فاجأت المؤسسات والأجهزة الاستخبارية الاسرائيلية وهذا شكل فشلا ذريعا لها.
الفارق السادس يتمثل في أن إيران حققت بدهائها عدة أهداف من خلال هذه العملية، منها التعرف على نقاط الضعف عند كيان الاحتلال وخاصرته الضعيفة وعلى هذا حصلت على معلومات ومعطيات قيمة حول المواقع الحساسة لدى إسرائيل، لأن بعض المسيرات الإيرانية أطلقت بهدف جمع معلومات استخبارية عن مختلف المنشآت والمرافق الإسرائيلية المهمة والحساسة وأرسلتها بنجاح الى إيران، كما أن إيران قامت باختبار عدد من الصواريخ الأكثر تطورا لم تعلنها بعد، وبالتالي فإن ايران قامت بعملية ذات طابع تكتيكي واستراتيجي.
الفارق السابع هو أن إيران تمكنت من خلال هذه العملية الباهرة من إلحاق أضرار شديدة على مواقع عسكرية اسرائيلية وهذا ما يفسره الغضب الشديد الذي يعيشه السلطات الإسرائيلية هذه الأيام، غير أن العملية الإسرائيلية لم تتمكن من إلحاق ضرر بالمنشآت الإيرانية في مدينة أصفهان وفي أفضل حالة يمكن اعتبارها أنها كانت عملية تحذيرية لإيران التي أحبطتها ايران بإسقاط المسيرات الصغيرة المستخدمة في العملية.
الفارق الثامن يعود إلى نقطة مهمة وهي أن العملية الإيرانية أنجزت من خارج فلسطين المحتلة غير أن العملية الإسرائيلية لم تتم من الخارج بل كانت عملية من قبل المأجورين المتسللين وعلى هذا لا يمكن اعتبارها عملية عسكرية على أساس اعتبارات عسكرية.
الفارق التاسع بين العمليتين هو أن إيران قبل عملياتها وبعدها تصرفت بشفافية ووضوح حيث بعد العدوان الإسرائيلي على سفارتها في دمشق أعلنت على لسان مختلف مسؤوليها أن ردها أمر محسوم ولا غبار فيه و72 ساعة قبل انطلاق العملية أخطرت الولايات المتحدة وبعض الدول الاقليمية بأنها ستقوم بعملية كبيرة وبعد إنجاز العملية أيضا أبلغت الأمم المتحدة بأنها قامت بهذه العملية مسلطة الضوء على أسبابها، غير أن الكيان الإسرائيلي لم يتصرف قبل العملية بشفافية بل تصرفت بغموض حول ما إذا كانت العملية ستتم أم لا ما ذهب الكثير من المحللين إلى مختلف الاتجاهات، كما أنها بعد العملية أيضا لم تتبن العملية كالمعتاد بل التزمت الصمت الذي إن دل على شئ فإنما دلت على جبنها وخشيتها وهذا طبعا أمر معهود منها.
الفارق العاشر والأخير هو أن العملية الإيرانية أدت إلى تعزيز الوحدة الداخلية في إيران وكسبت دعم داخلي وأثارت إعجاب مختلف التيارات الإيرانية غير أن العملية الإسرائيلية عززت الانقسامات والخلافات الداخلية حتى وصفها المتطرفون بالمسخرة.