قمع واعتقالات بجوار تمثال الحريَّة
كتب / محمد شريف أبو ميسم
منذ اضراب العمال في شيكاغو وتورنتو في العام 1886 الذي فتحت فيه النار على المتظاهرين، وحكم على أربعة منهم بالاعدام، وحتى تظاهرات جامعات «ايموري» الداعمة للشعب الفلسطيني، في اتلانتا بولاية جورجيا، التي نقلتها لنا تسجيلات مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، والتي شهدت اعتداءات واطلاق رصاص مطاطي واعتقالات، طالت رئيسة قسم الفلسفة «نويل مكافي»، وأستاذة الاقتصاد «كارولين فوهلين»، والتاريخ يقدم لنا أدلة قاطعة على زيف الديموقراطية في الدولة الرأسمالية التي تتفوق فيها سلطة المال على سلطة الدولة.
هكذا أخبرنا تاريخ الرأسمالية العالمية، حتى وان أخذتنا المؤثرات السمعية وزاغت أبصارنا وراء الأضواء، بعيدا عن هذه الحقائق بفعل طغيان أدوات الاستهلاك ومخاطبة الشهوات والغرائز التي تهيمن على عوالمنا يوميا، الا أن الثابت في حركة التاريخ، ان الديموقراطية بوصفها خيارا حضاريا واسلوب حياة يضمن التعايش والسلم الأهلي وممارسة الحريات، لا تنسجم من سلطة رأس المال، حتى وإن انطلى الأمر على البعض بدواعي نجاح «ديموقراطية السوق».
إذ إن «ديموقراطية السوق» قائمة على الجمع بين الرأسمالية ودولة الرفاه، التي تكبل حرية الرساميل لصالح سلطة الدولة، وقد آن الأوان أن يتحدث العالم عن حقيقة خدعة الديموقراطية في الدول التي تقودها رساميل العولمة، مثلما تحدث كثيرا عن غيابها في جمهوريات الموز، وفي النظم الدكتاتورية التي تولت رعايتها مؤسسات الدولة العميقة وهي تقود منظومة رأس المال في العالم الغربي والدول التابعة له.
وعلينا أن نتأمل كثيرا ما يحصل الآن في الجامعات الأمريكية، فبعد انقلاب جامعة كولومبيا على مموليها، والتي أعدت لتخريج أجيال من قيادات الدولة العميقة وهي تطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة ووقف الدعم الأميركي لدولة الاحتلال، انضمت جامعة ايموري، وجامعة ييل التي شهدت اعتقالات واسعة بحسب تسجيلات مواقع التواصل بعد التعتيم الاعلامي على هذه الاحتجاجات وما رافقها، وتزامن ذلك مع اعتقالات جماعية في جامعة نيويورك، وحصل الأمر نفسه في جامعة تكساس بعد أن ضجت ساحة الحرم الجامعي
بالمحتجين.
وبحسب ما ينقله لنا النشطاء على مواقع التواصل، فقد اتخذت السلطات اجراءات بوليسية في جامعات أخرى، وهذا ما يؤكد أن الديموقراطية في الدولة التي تقودها سلطة الرساميل مجرد علامة تجارية للتسويق، ودليلنا هنا، أن وسائل الاعلام التي تمولها رساميل العولمة منشغلة في مباريات كرة قدم، وتمارس تعتيما غير مسبوق على ما يحصل هناك بجوار تمثال الحرية.