رؤى ستراتيجية للشرق الأوسط
كتب / سيف ضياء
في سياق التداعيات السياسية والإعلامية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، يعلو صدى الأصوات التي تسلط الضوء على كيفية توظيف الإعلام في تشكيل الرأي العام وتوجيه الأفكار نحو أجندات محددة؛ ديفيد وارمرز، الذي شغل منصب مسؤول الشرق الأوسط في فريق عمل ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي في عهد جورج بوش، كانت له تصريحات بارزة تلقي الضوء على هذه الممارسات بشكل صريح، إذ يرى وارمرز أن الإعلام العربي، على نطاق واسع، يمكن أن يشكل أداة فاعلة لصناع السياسة الأميركية، مستخدماً مثل سفينة نوح لتجميع القوى الإعلامية التي تخدم الأهداف السياسية الأميركية. في هذه الرؤية، يُصور وارمرز الصحفيين العرب كأسطوانات مشغلة لرسائل محددة؛ مثل التركيز المستمر على تشويه صورة سوريا وإيران وربطهما بالمشكلات العالمية، بما يفوق حدود المنطق الجغرافي والسياسي، إن تصوير الإعلاميين العرب بهذه الطريقة يُظهر وجود توجه ممنهج لإبقاء الأنظار متجهة صوب "الأعداء" المُعلنين، وهما سوريا وإيران، في كل الأزمات والأحداث العالمية، بغض النظر عن طبيعتها. هذا التشويه المتواصل يُسهم في تثبيت صورة ذهنية لدى الجمهور يُسهل من خلالها تبرير سياسات مستقبلية قد تكون قاسية أو حتى غير منصفة؛ أما الذين يتبنون ويروّجون للديمقراطية الأميركية بصورة مثالية، فيُصنفهم وارمرز في فئة “الحمير”، حيث تصورهم الخطة كمتلقين سلبيين للدعاية الأميركية دون تمحيص أو نقد. تأتي هذه الفئة لتثبت كيف يمكن للإعلام المُوجه أن يلعب دوراً في نشر الأفكار دون التقيد بالحقيقة.
وأكثر من ذلك، تمت الإشارة إلى المنتقدين أو الرافضين للاعتراف بالمؤامرات الأميركية كمواكلين فضلات السياسة، يرمز لهم بـ "الخنازير". هؤلاء يعيشون على الهامش، مستهلكين لما يُرمى إليهم من معلومات دون تحليل أو نقد، وظيفتهم إنكار أي عمليات تلاعب أو توجيه سياسي حتى إن كانت واضحة ومفضوحة.
من ناحية تحليلية، يمكن القول إن تأثير هذه الصور النمطية وتصنيف الفئات الإعلامية تم تصميمه بدقة لخدمة مصالح سياسية محددة. الصورة التي تُوجه أصابع الاتهام بلا توقف نحو الشرق، بالتحديد سوريا وإيران، تساعد في تعزيز الرواية الأميركية في المنطقة، وتجعل تبرير التدخلات السياسية والعسكرية أسهل في أعين الرأي العام الغربي.
صحيح أن الأسلوب الذي يتبعه الإعلام قد يكون ناجعاً في تحقيق أهداف قصيرة المدى، لكنه يُظهر أيضاً الخسارة الكبيرة في المصداقية والشفافية. النقد الموضوعي والتحليل المعمق للأحداث يكاد يكون غائباً، مما يُسهم في تكوين وجهة نظر مشوهة في نظر الجمهور العربي والعالمي.
وفي نهاية المطاف يمكن القول إن السياسة الإعلامية التي تبدو كأنها نُسِجَت على مقاس الأجندات السياسية، تحتاج إلى مراجعة شاملة، إذ إن لكل فعل رد فعل، والجمهور المستهدف قد يبدو سلبياً ولكنه ليس بغافل، ومع مرور الوقت، يُمكن أن تفقد هذه الستراتيجيات فاعليتها وتتسبب في رد فعل عكسي، مما يجعل التراكم السلبي عبئاً لا يُستهان به في المدى البعيد.