لماذا تجاهل تقرير الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان ما يحدث لأهل غزة من إبادة جماعية؟!
كتب / أمين بوشعيب
يوم الاثنين 22 أبريل 2024، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية، التقرير السنوي لحقوق الإنسان لعام 2023، الذي يتتبع ويوثق الوضع فيما يقارب من مائتي دولة ومنطقة حول العالم.
وفي مقدمة هذا التقرير أشار وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى أن الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة لا يزال يثير مخاوف وقلقا عميقا بشأن حقوق الإنسان. وخلال ذلك، لم يفوّت هذا الوزير الصهيوني الذي يفتخر بأصوله اليهودية، الفرصة لوصف “طوفان الأقصى” وما قامت به حماس في السابع من أكتوبر بالهجوم الإرهابيّ الوحشيّ، حيث أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واحتجاز ما يقرب من 230 رهينة، واعتبر ذلك انتهاكا مروعا لحقوق الإنسان. بينما وصف ما قامت به إسرائيل من قتل وتدمير وإبادة جماعية ضد الأطفال والنساء في غزة، دفاعا عن النفس.
التقرير لم يتوقف عند رصد حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإنما تجاوزه إلى ما سمّاه “الغزو الروسي” لأوكرانيا حيث أشار بلينكن أن “تجاهل الكرملين وازدرائه لحقوق الإنسان ظهر بشكل كامل في حربه ضد أوكرانيا حيث تستخدم القوات الروسية العنف ضد المدنيين كأداة حرب متعمدة”. ودان التقرير “الحملة القمعية التي تشنها روسيا ضد مواطنيها حيث وجهت اتهامات جنائية زائفة لمئات من الروس الذين تحدثوا ضد حرب بوتين العدوانية”.
كما تناول التقرير الصراع في السودان، واستهداف حقوق الإنسان في أماكن أخرى من أفريقيا، حيث رسم صورة قاتمة عن وضع الحقوق والحريات في المغرب، وسجل ما أسماه عدم وجود تغيرات ملحوظة في الوضعية الحقوقية بالمملكة خلال سنة 2023، مع استمرار جملة من الانتهاكات والتجاوزات. الملاحظ في الحالة المغربية، أن التقريرمبني على استنتاجات متناقضة تتعلق بحالات غير مؤكدة، وتعمد تضخيم بعض القضايا خدمة للمصالح الأمريكية والابتزاز. مما يؤكد أنه تقرير سياسي وليس حقوقيا. إنه تقرير فاقد للمصداقية لا يستحقّ أن يُلتفت إليه أو يردّ عليه.
التقرير سلط الضوء أيضا على ما أسماه ” استمرار انتهاكات حقوق الإنسان الوحشية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي الجمهورية التركية، وفي جمهورية الصين الشعبية. وبدهيّ أن تصنف أمريكا هذه البلدان على قائمة الدول التي لا تحترم حقوق الإنسان، لأن لديها خلافات سياسية أو اقتصادية معها.
في المقابل أشار تقرير الخارجية الأمريكية إلى أن العديد من البلدان حققت تقدما كبيرا في مجال حقوق الإنسان، مثل كينيا التي أكدت أن حرية التعبير والتجمع تشمل الأشخاص من مجتمع المثليين في حين أن اليابان سنت مشروع قانون لتعزيز فهم قضايا “مجتمع الميم” وأصبح المنتمون إلى هذا المجتمع في إستونيا وسلوفينيا يستفيدون من التشريعات التي تعترف بالمساواة في الزواج.
العجيب والغريب في الأمر أن هذا التقرير تحدث عن حالة حقوق الإنسان في العالم، وتجاهل ما يحدث من قمع للحريات داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وتجاهل أيضا ما يحدث لأهل غزة من اضطهاد وتقتيل من قبل جيش الاحتلال الصهيوني. واعتبر ما تقوم به إسرائيل دفاعا عن النفس. وقد يتساءل أحدنا: لماذا هذا التجاهل؟ الجواب ببساطة لأنها شريكة لإسرائيل في جرائمها، وضالعة فيها إلى أخمص قدميها.
وعلى الجملة، فالتقرير في عمومه مبني على ادعاءات عارية من الصحة ومعلومات مفبركة، لذلك فالتقرير مكانه المزبلة. وعلى أمريكا أن تخجل من نفسها، ومن ماضيها الأسود الذي يشهد على فظاعاتها وجرائمها ضد الإنسانية وإبادة الشعوب. وبهذا الصدد يقول أحد الكتاب المصريين : “أمريكا هي الدولة الوحيدة التي بدأت وجودها بالعدوان منذ بيان استقلال المستعمرات الإنجليزية عام 1776م واستمرت في ذلك عبر تاريخها كله انطلاقا من حقها الذي افترضته لنفسها في التدخل، في شؤون الدول الأخرى عملا بأطروحة (مونرو) الذي أعلنه الرئيس الأمريكي الخامس جيمس مونرو عام 1823م، ثم طوره كل الرؤساء اللاحقين في نظريات تصب في نفس اتجاه (حق التدخل)، وعبر تاريخ وجودها القصير نسبيا شنت أمريكا الحرب على نحو أربعين دولة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية … بدعوى أن التطور يقوم على ظلم البعض للبعض”.
بالأمس لم تكن وسائل الإعلام متطورة بشكل كافٍ. وأما اليوم فمع التطور التكنولوجي الكبير، فقد أصبحت وسائل الإعلام توثّق كل صغيرة وكبيرة، وتوثق حالة حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية التي تجاهلها تقرير بلينكن، ويسلط الضوء على الحروب التي تخوضها أميركا وحلفاؤها، أو تشارك فيها استخباراتيا أو بالأسلحة المتطورة والممنوعة دوليا كما هو الحال في غزة. وتبعا لذلك، فقد أصبح العالم كله يعرف حقيقة أمريكا التي تدعم الإرهاب وترعاه.
لذلك، لم يكن للرئيس الأمريكي جو بايدن بدّ من الاعتراف أمام مرأى ومسمع العالمين، بأن حكومته زودت إسرائيل بقنابل يبلغ وزنها 2000 رطل لقتل المدنيين الفلسطينيين.
وعليه، فما قاله هذا الرئيس المتصهين خلال مقابلة مع شبكة “سي إن إن” ليعتبر اعترافا صارخا بدور بلاده في الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الأعزل، وهو ما يستدعي رفع دعوى قضائية لمحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية هو وإدارته، باعتبارهم زعماء ورعاة الإرهاب العالمي.
لقد كان “طوفان الأقصى” بمثابة الضربة القاضية لأمريكا، فقد نزع عن سوأتها ورقة التوت الأخيرة، وكشف وجهها البشع التي كانت تداريه بقناع الدفاع عن حقوق الإنسان. وإنّ ما يتعرض له الطلاب والأساتذة المحتجون في الجامعات الأمريكية على ما يحدث في غزة، من قمع وحشيّ واعتداء من طرف الشرطة لهو دليل آخر، وشهادة حية على بشاعة وجه الإدارة الصهيوأمريكية الكالح. والتي يجب أن تسقط سقطتها الأخيرة.
فلاش: فاجأ الممثل الأسكتلندي برايان كوكس نجم مسلسل “الخلافة”، رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يلقي رسالة مؤثرة كتبها أب فلسطيني من غزة يقول فيها: “أنا لاجئ في رفح فقدت ابني إبراهيم وابنتي مصابة، كان إبراهيم يلقي الشعر ويمثل، هو من أفضل الطلاب في غزة، لم يكن رحمه الله يناديني بأبي أو بابا بل بفادي. ابنتي مصابة ويجب أن تبقى في غرفة معقمة، لكنها تنام على مرتبة منذ وصولنا، وهي تعاني من الإصابات الحادة. نتمنى السلام، ونريد البقاء على قيد الحياة. نحن مضطهدون، والعالم كله يتجاهل ذلك. نحن أناسُ السلام، نحن أناسٌ نحب الحياة، لكن يبدو أنه لا يُسمح لنا بالعيش”.
هذه رسالة لا تحتاج إلى تعليق، ولكن: لمثل هذا يذوب القلب مِن كَمَد إن كان في القلب إسلام وإيمانٌ.