تعويم العملة والسياسة النقديَّة
كتب / حامد رحيم
قال الحلاج (ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له...اياك اياك أن تبتل بالماءِ) عندما تكلف بمهمة، لا بد من عناصر قوة تتمتع بها لإنجاز تلك المهمة، فمصدر قوة أي طائر لكي يحلق في السماء هي أجنحته وما عليها من ريش، فبدونهما يتحول الطائر إلى كومة لحم لا قيمة له بالنسبة لمهمة الطيران.
تضمن قانون البنك المركزي مجموعة مهام نقدية وجب عليه تنفيذها، على رأسها مهمة السيطرة على المعدل العام للأسعار لتجنيب الاقتصاد ويلات التضخم، وهذه المهمة تتطلب مصادر قوة لا بد من توافرها، ليتمكن البنك المركزي من النهوض بتلك المهمة، في الاقتصادات الطبيعية يتمكن البنك المركزي من تأدية دوره عبر تفعيل دور أدواته غير المباشرة (سعر الفائدة أولها بالإضافة إلى عمليات السوق المفتوحة والاحتياطي القانوني)، لكن في اقتصادنا المختل هيكليا فقدت تلك الأدوات فاعليتها، لذلك استعان البنك المركزي بسعر الصرف مثبتا اسميا وصار يدافع عنه مستخدما الاحتياطيات المتراكمة، نتيجة لعملية التبادل الدولارية بينه وبين وزارة المالية للحفاظ على القيمة التوازنية المثبتة لسعر الصرف، لغرض السيطرة على معدلات التضخم.
الاحتياطيات المتراكمة والقدرة على التحكم بسعر الصرف الرسمي كانتا بمثابة الجناح والريش الذين مكنا البنك المركزي من التحليق في سماء الاقتصاد للعمل على تحقيق هدف السيطرة على المعدل العام للأسعار، نعم الكلف كانت كبيرة نسبيا، لكن لاخيار غير ذلك وفقا لواقع الحال.
أشرنا في المقال السابق إلى سقوط فرضية إمكانية تعويم العملة لأسباب تم بيانها في المقال، رغم ذلك لنفرض جدلا إن قررا اتخذ بتعويم العملة، وهذا يعني أن لا دور للبنك المركزي في تحديد سعر الصرف والعملية ستوكل لقوى العرض والطلب على الدولار، ما الذي سيحصل؟
لن يتمكن البنك المركزي من عملية (التعقيم النقدي)، تلك العملية التي تعني سحب الاثار النقدية للانفاق الحكومي المتزايد من الدينار والذي يشكل جزءا أساسا ومهما من الطلب الكلي، وبما أن الطلب هو العامل الذي يقود ارتفاعه إلى زيادة نسب التضخم، اذن سوف ترتفع معدلات التضخم دون رادع وسيصل الاقتصاد إلى التضخم الجامح وبشكل لا يقبل الشك.
إن آلية التعقيم تتم عبر عملية سحب الدينار عبر مقايضته بالدولار، من خلال نافذة بيع العملة المفتوحة في البنك المركزي منذ عام 2003 إلى الان، وهنا دور سعر الصرف مثبتا اسميا، هذه الآلية هي مكمن قوة البنك المركزي الذي مكنته طوال هذه المدة من تأدية دوره النقدي في السيطرة على المعدل العام للأسعار، فتعويم العملة يعني لا دور للبنك المركزي في الوصول إلى النقد العراقي ومعالجة قضية التزايد المستمر في الطلب الكلي الناتج عن زيادة الانفاق الحكومي، والذي يقود إلى زيادة الطلب على السلع المستوردة نتيجة لضعف الجهاز الإنتاجي الوطني.
هذا حال اقتصادنا المختل هيكليا الذي ترك كل هذه المدة دون أي توجه تنموي يصحح مسار السياسيات الاقتصادية، ومن ثم لا يمكن ان نقفز على هذه المتغيرات ونتبنى خيار التعويم، وهنا تحليل آخر يعزز من فرضية عدم القدرة على التعويم.