مجلس النواب يلغي ( الحصانة ) الممنوحة للجامعات بخصوص الاعتراضات
كتب / باسل عباس خضير
نصت المادة ( 38 ) من قانون التعديل الثامن لقانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رقم 40 لسنة 1988 ( النافذ ) على : ( 1.لا تسمع المحاكم الدعاوى التي تقام على الوزارة او الجامعة او الهيئة او الكلية او المعهد في كل ما يتعلق بالقبول او الانتقال او الامتحانات او العقوبات الانضباطية التي تفرض على الطلبة ، ويكون للوزارة وللجامعة وللهيئة وحدها حق البت في الشكاوى التي تنشا عن هذه الأمور 2. تمنع المحاكم من النظر في دعاوى تقويم الشهادات والدرجات العلمية العربية والأجنبية التي تلي مرحلة الدراسة الثانوية ودعاوى منح الألقاب والشهادات العلمية والفخرية . ) ، وبموجب هذه النصوص فقد امتنعت المحاكم العراقية بجميع أصنافها ودرجاتها من قبول الدعاوى التي تسجل على التعليم العالي وتشكيلاتها في الأمور التي تتعلق بقرارات التعليم العالي المتعلقة بالقبول وتقويم الشهادات والدرجات العلمية وبقية الأمور الواردة في الفقرتين 1و2 ، وهذا النص أبقى التظلم محصورا في حدود المعهد او الكلية او الجامعة او الوزارة حيث تكون قراراتها قطعية وغير قابلة للطعن ، ومن وجهة نظر البعض فان هذا النص ربما يفرض نوعا من الإذعان على كل من يظلم ولم يجد حلولا عادلة او مقنعة لتظلمه ، وفي المجمل يوفر ( الحصانة ) او الحماية لمسئولي تشكيلات التعليم العالي والعاملين فيها من الدعاوى التي تقام ضدهم لان النص ( يمنع ) المحاكم من قبول الدعاوى على التعليم العالي في هذه الأمور .
ومن وجهة نظر البعض فان الإبقاء على النص يعطي السلطة الكاملة للتعليم العالي وتشكيلاتها والعاملين فيها في اتخاذ القرارات ( المناسبة ) بموجب أنظمتها وتعليماتها على أساس أنها عادلة ولا يسودها أي ظلم والاعتراض محصورا بالتسلسل العلمي والإداري فحسب ، والبعض يعتبر هذا النص ظالما لأنه يجمع أحيانا بين ( الخصم والحكم ) فعند اعتراض الطالب على درجته الامتحانية مثلا فان القسم العلمي هو من يتولى تدقيق الدرجة وإبلاغ الطالب بنتيجة الاعتراض والتي غالبا ما تكون مطابقة وبدون تغيير ، وعند شعور الطالب بعدم قناعته بنتيجة الاعتراض فانه يستطيع التظلم لدى المؤسسة ذاتها سواء كانت الكلية او الجامعة ويبقى الحال على ذاته حتى عندما تتوفر للمتظلم الدليل بالظلم حيث لا يستطيع أن يقيم دعوى بأي من المحاكم لأنها مقيدة بنص المادة 38 ، وحالة الطالب في الامتحان تنطبق على نتائج القبول وعلى الحاصلين على الشهادات العلمية لمعادلتها وتنطبق أيضا على ما يصيب المنتسبين من حالات للظلم تتعلق بالترقيات العلمية والنقل والتقويم وغيرها من الحالات ، ويرى البعض إن هذا النص يتعارض مع بعض النصوص التي تضمنها دستور 2005 فيما يتعلق بالحريات والعدالة والمساواة وغيرها من الأمور ، ولكن نص المادة 38 بقي ولم يتغير رغم تعديله لمرات عديدة بعد عام 2003 وبعد نفاذ دستور البلاد الجديد ، مما يعني بان آليات الاعتراض بقيت على حالها منذ بداية نفاذ هذه المادة ضمن القانون 40 لسنة 1988 لحد اليوم رغم التغير الكبير الذي حصل في واقع التعليم العالي وفي واقع الحرية والديمقراطيات .
وبموجب مشروع التعديل التاسع ( الجديد ) للقانون انف الذكر الذي صوت عليه مجلس النواب خلال الجلسة 23 من الدورة الانتخابية الخامسة / السنة التشريعية الثالثة ( الفصل التشريعي الأول ) التي انعقدت بتاريخ 11 مايس الجاري على إقرار مشروع قانون التعديل التاسع لقانون التعليم العالي والبحث العلمي رقم 40 لسنة 1988 ، وتضمن التعديل مواد متعددة ومنها ما جاء في نص المادة 11 من التعديل التي نصت على ( إلغاء ) المادة 38 من القانون البديل الذي سيكون نافذا بعد مصادقة رئيس الجمهورية ونشره في الجريدة الرسمية ( الوقائع العراقية ) ، وان النص البديل لتلك المادة سيكون :
( المادة 11 :
يلغى نص المادة 38 من القانون ويحل محله ما يأتي
أولا / أ . تشكل في كل جامعة والمجلس العراقي للاختصاصات الطبية لجنة تتألف من رئيس بمرتبة أستاذ و4 أعضاء من الهيئة التدريسية بدرجة أستاذ مساعد احدهم متخصص بالقانون يختارهم مجلس الجامعة او المجلس العراقي للاختصاصات الطبية
ب. تكون عضوية اللجنة لسنة واحدة قابلة للتجديد لمرة واحدة
ج. تتولى اللجنة النظر في الاعتراضات على القرارات المتعلقة بقبول الطلبة او انتقالهم او امتحاناتهم او العقوبات الانضباطية التي تفرض عليهم او الفصل بسبب الرسوب و ترقين القيد على أن يقدم الاعتراض أمام اللجنة من كل من ذي مصلحة خلال 30 يوم من تاريخ التبليغ بالقرار
ثانيا / أ ، تشكل في مركز الوزارة لجنة اعتراضات تتألف من رئيس بمرتبة أستاذ و6 أعضاء من الهيئة التدريسية بدرجة أستاذ مساعد على أن يكون احدهم في تخصص القانون تختارهم هيئة الرأي
ب . تكون مدة العضوية 3 سنوات قابلة للتجديد
ج. تتولى اللجنة النظر في الاعتراضات على قرارات اللجنة المنصوص عليها في البند أولا من هذه المادة على أن يقدم كل من ذي مصلحة الاعتراض أمام اللجنة خلال 30 يوم من تاريخ التبلغ بالأمر المعترض عليه .
ويلاحظ من خلال المقارنة بين النص النافذ ومشروع قانون التعديل التاسع للقانون فيما يخص المادة 38 :
1.إن مشروع قانون التعديل التاسع قد نظم آليات الاعتراض لكل من ذي مصلحة على قرارات المعاهد والكليات والجامعات بخصوص الأمور التي حددها حيث اوجد لجنة جامعية لهذا الغرض بدلا من أن يتفرد رئيس القسم او العميد بالبت في تلك الاعتراضات ، ويلاحظ في نص الفقرة ( ج من أولا ) إن اللجنة الجامعية تتولى النظر في الاعتراضات دون وجود ما يشير لشرط الاعتراض أولا لدى القسم او العمادة او غيرهما من الحلقات ، في حين إن الفقرة ج من ثانيا حصرت واجباتها بالنظر في الاعتراضات على قرارات اللجنة الجامعية ضمن المدة التي حددتها للاعتراض .
2.بموجب النصوص أعلاه فان من حق من ذي مصلحة الاعتراض لدى اللجنة الوزارية بعد مرور 30 يوم من تاريخ التبلغ بالقرار المعترض عليه كما اشترطت تقديم طلب الاعتراض أمام اللجنة الوزارية خلال 30 يوم من التبلغ بالأمر المعترض عليه ، وفي ذلك ملاحظتين الأولى إن المشرع قد حدد المدة المسموحة والقصوى لتقديم طلبات الاعتراض لدى اللجنة الجامعية واللجنة الوزارية ولكنه لم يحدد المدة الصغرى او الكبرى التي يجب أن تنجز بها قرارات او نتائج الاعتراض لدى اللجنتين ، والملاحظة الثانية إذا كانت المدة اللازمة لتقديم الاعتراض هي 30 يوم لدى اللجنة الجامعية و30 يوم إلى اللجنة الوزارية بعد التبلغ ومن دون تحديد مدة الانجاز فمتى تصدر القرارات ؟ ، وإذا كان المعترض طالب قدم اعتراضا على نتيجته في الدور الثاني فمن الممكن أن يمر عليه فصل دراسي او أكثر وهو بانتظار نتيجة الاعتراض للانتقال من مرحلة لأخرى ( مثلا ) ، وربما يخشى الطالب او ذويه أن يتخرج زملاءه او يخسر عام دراسي وهو ينتظر نتيجة الاعتراض ، ويمكن صياغة الكثير من الأمثلة والحالات بهذا الخصوص .
3. لم يحدد نص المادة سياقات النظر في الاعتراضات وما هي الصلاحيات المخولة للجنة الجامعة او اللجنة الوزارية ، فهل يحق لها إعادة تصحيح إجابات الطالب في الامتحان ( مثلا ) ومن يتولى إعادة التصحيح هل الأستاذ نفسه او ينتدب خبير او أكثر والتساؤلات بهذا الخصوص تطول ، كما لم تحدد الآليات و الإجراءات التي يمكن أن تتخذ بحق من تسبب الظلم بصاحب الاعتراض ، فالنص ينصرف للنظر في الاعتراض ولم يتطرق لكيفية إعادة الحقوق وكيفية التصدي للخطأ او التقصير الفردي او الجماعي و غيرها من التفاصيل .
4.يتطرق النص لتقديم طلبات الاعتراض إلى اللجان ولكنه لم يتضمن كيفية تقديم الطلبات فهل يتم التقديم إليها مباشرة او من خلال السياقات الإدارية للجامعة او الوزارة ؟، وإذا كانت اللجنة هي من تتولى قبول الاعتراضات فهل ستكون لها صادرة وواردة وإدارات أم ماذا؟ ، آخذين بعين الاعتبار إن أعداد الطلبة بالجامعات اخذ بالزيادة وان هناك رغبات واسعة للطلبة ومن لهم مصلحة بالاعتراض ، ولم يفهم هل إن اللجنة المشكلة في الجامعة التي مدتها سنة متفرغة للاعتراضات وتعفى من واجباتها أم إنها تكلف بموضوع الاعتراضات حتى وان كان عددها كبير وتتطلب زمن وإجراءات ، وإذا كانت لجنة الاعتراضات الجامعية تتكون من رئيس و4 أعضاء يختارهم رئيس الجامعة ويمكن إن يكلفوا بهذا الواجب لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد لمرة واحدة ، فهل إن اللجنة الوزارية التي تتكون من رئيس و6 أعضاء سيعملون لأجل الاعتراضات لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد لعدد غير محدود من المرات ، مع الإشارة هنا إلى إن التمديد الذي ورد في النص بخصوص اللجنتين يتطرق إلى الأعضاء دون الرئيس ، علما إن المشروع حدد الدرجات العلمية للرئيس والأعضاء ولم يحدد الاختصاصات لغير القانوني رغم إن الجامعة الواحدة تحوي عدد كبير من التخصصات والقضية تتعلق باعتراضات تحتاج للدقة والعناية لاتخاذ القرارات .
ونشير بهذا الخصوص إلى إن نص المادة 11 التي وردت في مشروع قانون التعديل التاسع لقانون الوزارة رقم 40 لسنة 1988 قد ألغت المادة 38 من القانون والذي كان من أهم مضامينه هو عدم قبول الدعاوى المتعلقة بالأمور الواردة فيها ، والمادة 11 من مشروع قانون التعديل أضافت مجالات واسعة للاعتراضات ربما من باب العدالة والشفافية والإنصاف ، ولكن النصوص التي وردت في المادة البديلة ستسمح للمحاكم بقبول الدعاوى المتعلقة بالتعليم أولا لعدم ورود عبارات مانعة وثانيا لعدم وجود نص يعارض الطعن في قرارات لجنة الاعتراض الوزارية ، حيث لم يرد ما يشير إلى إن قرارات لجان الاعتراض قطعية وغير قابلة للطعن في المحاكم المختصة ، كما أن اللجنة الوزارية تخلو من نص يتضمن مصادقة وزير التعليم على قرارات لجنة الاعتراض الوزارية لتكون مصادقته قطعية وغير قابلة للطعن في المحاكم المعنية ، وفي المجمل فان القرارات المتعلقة بقبول الطلبة او انتقالهم او امتحاناتهم او العقوبات الانضباطية التي تفرض عليهم او الفصل بسبب الرسوب و ترقين القيد ستكون قابلة للطعن في ثلاث قنوات هي لجنة الاعتراضات الجامعية ولجنة الاعتراض الوزارية والقضاء العراقي ، مما يعني رفع الحصانة او الحماية التي كانت تمنحها المادة 38 من القانون قبل التعديل ، كما نشير لنقطة مهمة وهي إن مشروع قانون التعديل التاسع قد تضمن إلغاء نص المادة 38 بمجملها ، ولكنه تطرق للفقرة 1 فقط ( لا تسمع المحاكم الدعاوى التي تقام على الوزارة او الجامعة او الهيئة او الكلية او المعهد في كل ما يتعلق بالقبول او الانتقال او الامتحانات او العقوبات الانضباطية التي تفرض على الطلبة ) ، في حين انه لم يتطرق إلى نص الفقرة 2 التي تنص ( تمنع المحاكم من النظر في دعاوى تقويم الشهادات والدرجات العلمية العربية والأجنبية التي تلي مرحلة الدراسة الثانوية ودعاوى منح الألقاب والشهادات العلمية والفخرية ) ، ويعني ذلك من الناحية العملية رفع الحماية على التعليم العالي بخصوص كل ما ورد في المادة 2 / 38 وبما يسمح للمحاكم بقبول الدعاوى بهذه الأمور .