إفلات اسرائيل من العقاب يضع مصداقية العدالة الدولية على المحك؟!
كتب / وسام زغبر
طلب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية السيد كريم خان من المحكمة استصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يؤاف غالنت، إلى جانب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار ورئيس أركان الجناح العسكري لحركة حماس «كتائب القسام» محمد الضيف، فرصة تاريخية وتطور جديد في المنظومة القانونية الدولية، رغم أن طلب المدعي العام النائب خان يساوي بين الجلاد والضحية، يساوي بين المعتدي الذي يواصل عدوانه وجرائم الإبادة بحق شعب أعزل يقاوم المحتل مدافعاً عن نفسه وحقوقه وكرامته الوطنية وفق ما أقرته قرارات الشرعية الدولية للشعوب الواقعة تحت الاحتلال.
إن طلب مدعي عام الجنائية الدولية والذي لم يصل لاستصدار قرار ملزم لجر قادة الاحتلال الإسرائيلي لمحكمة الجنايات الدولية، وهو الذي أتى بعد أيام على تهديد ووعيد عدد من أعضاء في الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأميركية للمحكمة الجنائية ومدعيها العام النائب كريم خان، وفي حال استصدار أوامر لاعتقال نتنياهو وغالنت فهذا يعني أن كليهما لن يستطيعا مغادرة دولة الاحتلال كون 124 دولة موقعة على وثيقة منع الإبادة الجماعية وهم أعضاء في محكمة الجنائية الدولية ستقدم على اعتقال نتنياهو وغالنت وكل من يكشف عنهم التحقيق.
ووفق المحكمة، فإن التهم الموجهة لرئيس حكومة الاحتلال نتنياهو ووزير حربه غالنت، وبموجبها تقدمت المحكمة الجنائية الدولية بطلب لاستصدار مذكرة اعتقال بحقهم، هي المجاعة الجماعية للمواطنين، والتسبب بمعاناة المواطنين بشكل متعمد، والقتل العمد، والهجمات المستهدفة ضد السكان المدنيين، والتطرف والدعوة إلى القتل الجماعي وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
لذلك أمام التهم الموجهة ضد دولة الاحتلال وأركان مجلس حربها، يتطلب من المحكمة الجنائية الدولية تصويب طلبها في مذكرة الاعتقال في حال إصدار الأوامر استناداً إلى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي لا تساوي بين حركات التحرر والشعوب الواقعة تحت الاحتلال، وحقها في الدفاع عن نفسها وأرضها وحقوقها الوطنية المشروعة ومنها حقها في مقاومة الاحتلال، وبين المعتدي الذي يرتكب جرائم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية، لأن عدم تصويب الأوامر من شأنه أن يثلم عدالة المحكمة وموقعها أمام الرأي العام العالمي.
وليس مستغرباً أن يأتي طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وهو إقرار إضافي، مع خطوات قدمتها دولة جنوب أفريقيا وشركائها لمحكمة العدل الدولية ضد إسرائيل لانتهاكها اتفاقية منع الإبادة الجماعية، والتي تشكل فرصة تاريخية في تسليط الضوء على حجم الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي الفاشي بدعم وإسناد متعدد المستويات من الولايات المتحدة، وإن كانت هذه الدعاوى قد تأخرت لسنوات ما شجع دولة الاحتلال لارتكاب عشرات جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والتي ما زال العالم يسجلها ويعترف بها.
إن خطوة المحكمة الدولية طال انتظارها بعد 76 عاماً من جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، رغم تأخر المدعي العام في فتح تحقيق عاجل في جرائم الاحتلال وخاصة أن حرب الإبادة والتطهير العرقي في قطاع غزة تقترب من الدخول في شهرها التاسع على التوالي في الوقت الذي تواصل دولة الاحتلال إدارة ظهرها لقرارات الشرعية الدولية واستهتارها بالقانون الدولي ودون أية اعتبارات للرأي العام واحتجاجات العالم ومطالبته بوقف سفك الدم الفلسطيني.
إن تلك الخطوة الدولية دفعت المسؤولين الإسرائيليين إلى إدانة طلب المدعي العام والمحكمة الجنائية الدولية واتهامها بمعاداة السامية والدعوة إلى تفكيك المحكمة، وكذلك الرئيس الأميركي جو بايدن إلى اعتبار هكذا خطوات تقوّض فرص التوصل لوقف لإطلاق النار بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قطاع غزة، وبهذا قد تلجأ دولة الاحتلال في حال استصدار الأوامر اللازمة لاعتقال نتنياهو وغالنت إلى ترهيب المحكمة وترهيب الدول التي أكدت التزامها بقرارات المحكمة وربما الضغط على الولايات المتحدة لممارسة الضغوط على الدول التي ستلتزم بقرار المحكمة وأوامر اعتقال المسؤولين الإسرائيليين.
لذلك على محكمة الجنايات الدولية ومدعيها العام كريم خان إلى رفض كل أشكال الضغوط والتهديدات التي تمارسها عليها الولايات المتحدة الأميركية وأية أطراف أخرى، والتعجيل باستصدار الأوامر اللازمة لاعتقال نتنياهو وفريق حربه وكل من يكشف عنهم التحقيق لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، وكذلك على محكمة العدل الدولية إلى ترجمة مداولاتها حول انتهاك إسرائيل لاتفاقية منع الإبادة الجماعية بفرض عقوبات صارمة وملزمة بحق دولة الإجرام والإبادة الجماعية في إسرائيل، حتى ترتدع عن اتباع سياسة الأرض المحروقة، وإبادة ما عليها من بشرٍ وشجرٍ وحجرٍ.
إن عدم ترجمة قرارات محكمة العدل الدولية لوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة، واستصدار أوامر المحكمة الجنائية الدولية باعتقال المسؤولين الإسرائيليين وجرهم إلى المحاكمة لارتكابهم جرائم إبادة جماعية، أو رضوخ المحكمة الجنائية الدولية للضغوط والتهديدات التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية وأية أطراف أخرى بتوفير الحماية لنتنياهو وفريق حربه من المثول أمام القضاء الدولي ونيل العقاب على أفعالهم الاجرامية، أو استمرار انفلات إسرائيل من العقاب الدولي، من شأنه أن يقوّض العدالة الدولية ويضع القانون الدولي والضمير الإنساني على المحك.