المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة ونتنياهو
كتب / زهير كاظم عبود
ضمن الاختصاصات التي وردت في قانون المحكمة الجنائية الدولية، التي تم تشكيلها في الأول من تموز من العام 2002 انها تقوم بالتحقيق وإصدار قرارات الحكم فيما يخص جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحروب والجرائم ضد الإنسانية، وتنظر هذه المحكمة التي تتشكل من خمسة عشر قاضيا من دول مختلفة تميزوا بالجدارة والإمكانيات القانونية والنزاهة والسمعة القضائية الجيدة، أن تنظر أيضا في قضايا النزاعات القانونية بين الدول الأعضاء التي يتم عرضها امامها، وتنظر هذه المحكمة في القضايا والجرائم التي تحدث بعد قيامها في الأول من تموز 2002
أي أنها لا تشمل الجرائم بأثر رجعي، وأيضا انها تعمل بعد أن تبدي المحاكم الوطنية لاي بلد رغبتها او عدم قدرتها على انجاز التحقيق والمحاكمة في مثل تلك الجرائم. وحين تم طرح مشروع قانون المحكمة الجنائية في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1998 وتم التصويت عليه من قبل 130 دولة وامتناع 21 عن التصويت، كان من بين ابرز تلك الدول، التي امتنعت عن التصويت الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل والصين والعراق وقطر وليبيا واليمن، وظهرت المحكمة إلى الوجود الفعلي في الأول من تموز 2002.
ما يحدث من جرائم الإبادة الجماعية وضد الإنسانية التي ترتكب من قبل الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، يمثل انعكاسا واضحا لاستمرار تلك الجرائم أمام انظار المجتمع الدولي، وتأكيدا على خطورة تلك الأفعال الاجرامية إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) الاستمرار في ارتكاب تلك الأفعال، وما يمثله من سابقة خطيرة في الإصرار والتحدي لارتكاب الجرائم، ما يستوجب من المدعي العام للمحكمة الجنائية ان يفتح تحقيقا سريعا لخطورة الجرائم التي تطال المدنيين وتحاصرهم بقصد ابادتهم وقتلهم بشتى الوسائل والسبل العسكرية والنفسية، ومن خلال القصف العشوائي لبيوت المدنيين، ومن خلال محاصرتهم وقطع الغذاء والماء والدواء عنهم، ومن خلال تشريدهم وابتعادهم عن مناطق سكناهم.
امام المحكمة اليوم ملفا غاية في الأهمية والخطورة، وعليها معالجة الامر وفقا لتلك الأهمية، وان تضع المحكمة وفقا لإمكانياتها القانونية والقضائية، امام المجتمع الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الامن تلك القرارات التي توقف المزيد من جريان نهر الدم والموت جوعا او عطشا للآلاف من المدنيين، وأن تحاول أن تحقن دماء الناس وتحفظ حياة من تبقى منهم مهما كانت قومياتهم او أصولهم، وأن تسقط ذريعة إسرائيل بحقها في ممارسة حق الدفاع عن النفس، وأن تكون القرارات التي يصدرها نتنياهو المتتالية في ممارسة تلك الأفعال ليس فقط ضد عناصر منظمة حماس، انما ضد جميع أبناء المدن الفلسطينية في قطاع غزة، غير أن العائق الأساس الذي يواجه المحكمة اليوم النظام القضائي الإسرائيلي الذي يمكنه محاسبة نتنياهو ولم يصدر عنه ما يؤكد انه سيخطو اية خطوات يثبت عدالته او ممارسته القانونية بحياد وشجاعة، مما يعرقل جهود المحكمة الجنائية الدولية في هذا المجال، ويجعل المخطط الذي تنفذه حكومة نتنياهو مستمرا دون عقاب او ردع قانوني.
وبالنظر لعدم انضمام الدولة الإسرائيلية إلى معاهدة المحكمة الجنائية الدولية والتوقيع على معاهدة روما الأساسي، ما يجعل التحقيق ومحاكمة نتنياهو خارجا عن اختصاص وصلاحية تلك المحكمة، إلا أن التفاتة قانونية لارتكاب تلك الجرائم على الأراضي الفلسطينية، التي تحتلها إسرائيل يجعل النظر في التحقيق في مثل هذه الجرائم من اختصاص المحكمة فعلا، وتعلم المحكمة وجميع أعضاؤها من القضاة ان الأراضي التي يتم ارتكاب تلك الجرائم فوقها فلسطينية، وان كانت تحت احتلال وسيطرة القوات الإسرائيلية، وان التصدي لتلك الجرائم يوجب على المحكمة ان تتخذ الإجراءات المتناسبة مع خطورة النتائج، خصوصا أن دولة فلسطين انضمت إلى قانون المحكمة الجنائية الدولية، غير أن التدخل الذي تمارسه الولايات المتحدة اليوم لعرقلة جهود المحكمة في الإجراءات المتخذة بحق نتنياهو تثبت يوما بعد يوم انها تقف مع المتهم الأساس في الجريمة وتدافع عنه وتحاول بشتى السبل أن تمنع الإجراءات القانونية المتخذة بحقه، ولما كانت المحكمة تعرف تلك الحقائق فسيكون جميع قضاتها امام امتحان تاريخي، ليكونوا شجعانا وحياديين، ولا يخضعون لسطوة وإرهاب الولايات المتحدة في الدفاع غير المنصف والمبرر عن نتنياهو وإسرائيل، وأن قراراتها ستكون وفقا لما تمثله المحكمة من حيادية وتطبيق قانوني دولي سليم وعادل، ومع ان نتنياهو يشعر بالقلق من الأصوات التي تطالب بمحكمته دوليا، وما يشعره بالقلق أيضا تلك الحقائق التي يدركها اهل القانون والتي تثبت ايغاله في الجرائم المرتكبة، ومثل تلك الجرائم لا تتقادم ولايسقطها الزمن، لكنها ستبقى ابدا وصمة عار في جبين نتنياهو ودولة إسرائيل، التي ترتكب الجرائم ليس فقط ضد عناصر منظمة حماس، انما ضد الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين ممن لا يحملون السلاح وليس لهم علاقة بما يحدث بين القوات الإسرائيلية والمنظمة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية، وبانتظار ما تقرره المحكمة امام الاف الضحايا الذين يتساقطون يوميا امام انظار المجتمع الدولي دون توقف.