قرار محكمة التمييز بشأن المحكمة الاتحاديَّة العليا
كتب / د. حميد طارش
شكل قرار محكمة التمييز بشأن حكم صادر من المحكمة الاتحادية العليا سابقة تكتسب أهميتها في إطار ضمان عدالة الأحكام القضائية، التي يحكمها مبدأ تعدد درجات التقاضي، أي من خلال الطعن يمكن تصحيح الحكم القضائي، كما يأتي القرار المذكور خروجاً عن النمطية التي يمكن أن تعطل القضاء عن أداء دوره في حل المشكلات عن طريق الاجتهاد ومقتضيات المصلحة العامة.
الّا إن القرار المذكور ليس بتلك السهولة، وإنما يثير عدة تساؤلات لما ورد فيه عن اعدام قرار سابق للمحكمة الاتحادية العليا واعتباره كأنه لم يكن، أولها قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 الذي منح محكمة التمييز في المادة (12) سلطة الرقابة على جميع المحاكم باعتبارها أعلى هيئة قضائية في وقت لم تكن فيه المحكمة الاتحادية العليا موجودة وعندما صدر قانون الاخيرة، لم يشر إلى استثنائها من تلك الرقابة، ولم يُعدل كلا القانونين لتأكيد تلك الرقابة أو نفيها، واما قواعد الاختصاص فهي من النظام العام، الذي يعدم اي حكم يصدر بالتجاوز عليها وهذا ما استقر عليه الفقه والقضاء، ويكون الحكم في هذه الحالة كاشفاً وليس منشئاً، والسؤال الاهم هنا، من يكشف ذلك عن قرارات المحكمة الاتحادية العليا وهي باتة ونهائية وملزمة لكافة السلطات بموجب المادة (94) من الدستور، وهذا ليس غريبا عن القضاء الدستوري في دول العالم الذي لا يقبل الطعن أو التعقيب أو المراجعة من اية جهة قضائية أخرى لأهمية الدعاوى الدستورية المتعلقة بإستقرار عمل السلطات، لذلك ابتدع القضاء الدستوري العدول عن احكامه السابقة، وأصبح ذلك مبررا بسبب تغير القضاة أو الظروف أو الأدلة، لكن حقيقة الأمر تكمن في عدم عدالة الحكم الأول فيأتي العدول لتصحيحه...، الّا أن العدول ليس متاحاً دائماً.
واما مبدأ الفصل بين السلطات الذي نص عليه الدستور في المادة(47) جعل وظيفة التشريع من اختصاص مجلس النواب في المادة(61) وليست من اختصاصات المحكمة الاتحادية المنصوص عليها في المادة(93) من الدستور.
كما تجدر الاشارة هنا إلى توضيح ما أُشيع حول القرار وانعكاسه على قرارات سابقة ولاحقة للمحكمة الاتحادية العليا وهذا غير صحيح وانما جاء بصدد الطعن المقدم لمحكمة التمييز حصراً لاعتبارات تتعلق بالخروج على قواعد الاختصاص بحسب ما توصلت اليه محكمة التمييز، ومن ثم فإن صفة البتات والالزام ستظل قائمة لاحكام المحكمة الاتحادية في القضايا، التي تنظرها وفقاً
لاختصاصها.