هل يعتذر أردوغان للرئيس الأسد قريباً؟
كتب / الدكتور خيام الزعبي
تقترب سورية وتركيا من تطبيع العلاقات بين البلدين، وتجاوز خلافات الماضي التي امتدت لعدة سنوات ، فهناك تطورات عدة في شمال سورية وشمال العراق والمنطقة، دفعت القيادة التركية إلى إعادة النظر في سياستها حيال سورية، خاصة بعد طرح “قسد” إجراء انتخابات محلية شمال شرقي سورية وما يحمله من رسائل بالرغبة بفرض أمر واقع يقوم على تعزيز استقلالية “قسد” مما ستكون له تبعاته الخطيرة على وضع الأكراد داخل تركيا .
بعد المساعي التي تبذلها تركيا لإقناع العراق بالتعاون في مجال مكافحة الإرهاب من أجل إبعاد خطر حزب “العمال الكردستاني” عن الحدود التركية العراقية، استجابت بغداد بشكل جزئي بإعلان “العمال الكردستاني” تنظيماً إرهابياً، بالمقابل طلبت تركيا من بغداد نقل رسائل إلى دمشق لمنع نشاط عناصر “العمال الكردستاني” في المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري، لكن الأمر تطور إلى طرح بغداد فكرة وساطة من أجل زيادة مستوى التنسيق بين أنقرة ودمشق. وموافقة كلاهما على عقد لقاء في بغداد لاحقاً.
وفي دوافع الطرفين لمسار التقارب الحالي، لا شك أن لدمشق مصلحة جوهرية في تغير موقف تركيا منه، حيث كانت اللاعب الأساسي في الأحداث التي حصلت في سورية وهي الدولة الإقليمية الوحيدة الداعمة عملياً للمعارضة ودعم المسلّحين والمتطرفين في سورية.
في المقابل، ترى أنقرة أن علاقة سياسية مع سورية يمكن أن تفيدها في ملفات تصب في مصلحتها من حيث توفير مناخ آمن لبدء عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ونزع ورقة اللاجئين ، بالتالي من المعارضة التركية، بالإضافة الى الاتفاق على آلية مشتركة للتعامل مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ووحدات حماية الشعب الكردية، اللتين تصنفهما أنقرة تنظيمين إرهابيين وتعتبرهما الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني، ليس لحماية الأمن التركي المباشر وحسب، ولكن أيضاً لمنع قيام كيان كردي قرب الحدود السورية، ولأن الوجود العسكري الأميركي في سورية وثيق الصلة بوجود الأكراد، يعتقد الأتراك أن التعاون التركي السوري سيسرع من عملية إخراج الأمريكان من سورية وذلك من خلال سيطرة الجيش السوري على المناطق الواقعة تحت نفوذ الأكراد.
هذا بالإضافة الى الرأي العام التركي الذي يضغط باتجاه عودة العلاقات مع دمشق، فهو يريد بأي شكل إنهاء الانخراط التركي في المشكلة السورية على النحو الذي يجري الآن، وهناك مراجعاتٌ أميركيةٌ وأوروبيةٌ بشأن سورية، لذلك فإن كل هذه الأسباب والمتغيرات العربية والإقليمية والدولية كان طبيعياً أن يحاول أردوغان اللحاق بالركب الغربي والعربي تجاه المصالحة مع دمشق.
لنعُد بشريط الأحداث إلى الوراء قليلاً حيث يعلم جميع المراقبين السياسيين أن تركيا منذ بداية الأزمة عملت بكل الوسائل في سبيل تجنيد مقاتلين وتدريبهم وتسليحهم وتمويلهم وإرسالهم إلى سورية، أما اليوم ووفقاً للوقائع التي أخذ يفرضها الميدان السوري، فإن تركيا باشرت مرحلة حصر الأولويات، فبدأ همّها الوحيد يتحول إلى الحرب على الإرهاب، وبدأت تعيد حساباتها بالنسبة للأزمة السورية، وتخشى من توتر خطير في علاقاتها مع طهران وبغداد وموسكو وبكين، كما باتت قلقة من إنزلاق السلاح المتطور الذي يجري تهريبه عبر الأرض التركية الى الأراضي السورية الى أيدي المقاتلين الأكراد، وتخوفاً من جبهة قتال جديدة ضد تركيا، بذلك أدرك أردوغان متأخراً أن سقوط الدولة السورية لن يكون لمصلحة تركيا.
انطلاقاً من ذلك يبدو أن قطار العلاقات السورية التركية قد انطلق في الاتجاه الصحيح، ولم يبق له إلا الوصول للمحطة الأساسية والأخيرة وهى التزام تركيا بشروط دمشق، ولا شك إن تركيا تدرك تماماً أن الدخول الى المرحلة القادمة يتطلب المرونة وتقديم بعض التنازلات ويبدو أن هذه القناعة هي التي عبر عنها الرئيس التركي، إن أنقرة تتوقع حدوث تطورات “في غاية الأهمية” خلال المرحلة المقبلة بشأن العلاقات مع دمشق.
وأختم بالقول، إن الأسابيع والأشهر القليلة القادمة ستكون شاهدة على تغييرات جذرية في ملف العلاقات التركية السورية، من شأنها أن تحمل المزيد من المفاجآت، لأن تركيا لا تملك خياراً سوى الدخول في معركة لضرب الإرهاب وعليها أن تتعاون مع دمشق لضرب المتطرفين وأعوانهم، وإعادة ترتيب الأوراق من جديد نحو تحقيق المصالحات مع دول المنطقة، وهنا نتساءل: هل سيدفع أردوغان و تركيا حساب ما فعلوه؟، أو سيغير النهج ويعود الى الحضن السوري؟ والإجابة على هذا السؤال ستظهره الأيام والأسابيع القادمة والخاسر دائماً هو من يدفع الثمن.