إلى أين تذهب بنا المقاومة بكل محاورها؟
كتب / خالد شــحام
لا توجد قدرة لأحد ضمن حيز الفهم الانساني أن يفسر لماذا يقوم جيش المجرمين الصهاينة بقصف الخيام البلاستيكية وقتل المشردين وسط العذاب والشقاء وانعدام كل اسس الحياة البسيطة ، لا أحد بمقدوره أن يفهم سيكولوجية عصابة من الحاقدين وكهنة الشيطان والساديين الذين يقتلون كل يوم ما بين 50 -100 فلسطيني دون أي سببٍ أو وجه حق ، لا أحد يفهم لماذا يقوم هؤلاء السفلة والمنحطون بصناعة مجاعة وحرمان المشافي من الأدوية والوقود بعد أن نفذت كل مبرراتهم وكل حججهم الكاذبة المفبركة وسقطت روايتهم الصنمية سقوطا مدويا في كل أرجاء المعمورة ، لا يوجد لكل ذلك إلا تفسير واحد وهو أن جيش الشَـِّر هذا وهذه الطائرات والدبابات وسائر التقنيات الغارقة في السفالة دخلت في مرحلة من العبث والعدمية وإنعدام الرؤية والبصر والبصيرة .
في بعض الأحيان وحتى تتمكن من رؤية وكتابة فكرة كبيرة الحجم يتطلب الأمر أن يتسع عقلك وحدسك بقطر يتجاوز حدود العالم ، في أحيان أخرى لا يمكنك أن تكتب أو تعبر عن فكرة او تزرع بذرة إلا إذا تمكنت من الجمع بين قوة عقلك وقوة قلبك وتضع ذلك في كلماتك لأجل غاية سامية وقيمة عظيمة في هذا الخلق .
الكلمات السابقة تساق هنا لأننا نتكلم عن بلادنا ، عن هويتنا ، عن مصيرنا كعرب ومسلمين ، عن مرحلة فاصلة في تاريخ المنطقة بأكملها ، مرحلة تقودها فلسطين رغما عن حراب البطش وجيوش التآمر وأجهزة الفتن ، وعندما يأتي الحديث عن فلسطين فإن الهوية والعقيدة واللسان العربي كلها تصبح مستلزمات مناعة وصمود أمام مرحلة التذويب والمسح وإعادة التسميات إلى مكانها ، فالرحلة العربية تعبر اليوم أصعب السنوات في حياتها حيث التصفيات على الأبواب ، لماذا فلسطين بالذات دون سائر القضايا العربية والآسلامية ؟ لأن غـزة الفلسطينية انفجرت في وجه العالمين لتؤكد بأن مركز دوران العالم العربي والإسلامي هو فلسطين مهما حاول علماء الفلك تحوير هذه الحقيقة .
تتواصل فصول تدهور المركبة الصهيونية بمؤشرات متنوعة نحو الهاوية في كل الاتجاهات السياسية والاقتصادية والبقائية ، خارطة الانتصارات والانجازات التي ترسمها المقاومة العربية ممثلة بغزة ولبنان واليمن والعراق تتسع كل يوم أكثر بمعية تضخم المخاطر التي تهدد كامل المنطقة ، لكنه خطر يجب حسمه ويجب إنهاء حالة التعلق بين الضعف والقوة ، الكرامة والهوان ، الحياة والموت ، لم يعد هنالك متسع لمزيد من الإذلال ولتذهب هذه الصدامات إلى أقصى حدودها حتى نفهم من نحن ، لماذ نعيش وما هي نهاية هذا المسلسل اللامتوقف من الاستعباد ، لا يوجد هنا متسع لأسرد لكم جملة الأحداث والتطورات التي تعرفونها جيدا ، فما هي الحقائق التي يجب التركيز عليها بعجالة في ضوء كل ما سبق والتصعيد البطولي الذي يقدمه حزب الله :
1- إن الرؤية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والعالم قائمة على نفس الأسس التي نشأت عليها هذه الدولة ، إنها نفسها بالضبط ذات الفكرة القديمة المتعلقة بالهنود الحمر القائمة على مُسلَّمة احتلال الأرض وطرد أهلها وإبادة سكانها الأصليين ولم تتغير سوى في الشكل الإعلامي وأدوات الإبادة وشرعنة ذلك بمؤسسات وقوانين دولية ، إن ما تراه الولايات المتحدة من ضربات وخسائر تكتيكية يتلقاها جيش العدو لا يعدو في فهمها إلا أن هذا الهندي الأحمر البدائي الذي يحاول التمنع يحتاج مزيدا من التأديب والمسح والضربات الإبادية ، هذه الرؤية هي المعنية بكل الخسائر التي يحصدها الكيان الصهيوني داخل غزة وعلى حدوده الشمالية وفي بحر اليمن والبحر العربي ، لكن (الهندي الأحمر ) العربي يؤكد لهذه الإدارة بأن الزمان تغير وبأنه لن يكرر نفس ما حدث للنسخ السابقة .
2- في تقييم الولايات المتحدة هنالك مستحقات استعمارية واجبة لها بحكم كونها القوة الكبرى صاحبة النفوذ المطلق ، تدرك هذه القوة بأنها في معاملاتها لا تهمها التفاصيل الثانوية ، بل تهمها مراكز القوة الأكبر التي تحاول الحيلولة بينها وبين هذه المكتسبات ، إن الولايات المتحدة لا ترى إلا ايران فيما يحدث في الشمال وفي غزة وفي البحر الأحمر وتقتنع تماما بأن خيوط اللعبة تقع في يد الجمهورية الايرانية ، ترفض الولايات المتحدة ان تفهم أو تؤمن بأن العالم تغير ولم يعد الزمان هو زمان كيسنجر أو بوش ، نعم صحيح لقد تأخر العرب سنوات طوال في تشكيل تحالفاتهم الصحيحة ولكن شعوب العرب بدات تصحو من غفلتها وتضع يدها مع القوى المؤهلة لوراثة السقوط الأمريكي -الصهيوني في الاقليم ، ولنتذكر دوما بأن التسويق الأمريكي في المنطقة قائم على بيع (التهديد الإيراني ) للخليج العربي وهذه النقطة بالذات هي مركز مبيعات الشر والحروب .
3- تؤمن الفرضية الدائمة الأمريكية حول الشرق الأوسط بأن مستعمرةً صهيونية مدججةً بأحدث الترسانات من الأسلحة والقوة النارية المفرطة إضافة الى قيادات مجرمة ، مسعورة ، خارجة عن الإنسانية ، لا تتمتع بأية معاملات أخلاقية ، هي الأنسب لتلجيم بؤرة النهضة في الإقليم بما فيه من مكونات مؤهلة للتفوق تاريخيا ودينيا واقتصاديا ، مستعمرة قادرة على وضع حد لانعكاسات الثقافة الإسلامية والعربية وربطها بحبال موثقة من الإفساد والإفقار والترهيب بالعصا الغليظة ، لقد تبين الخطأ الهادر لهذه الفرضية ولم تعد هذه المستعمرة قادرة على تلبية الأطماع الأمريكية ، لقد أنتج الإرهاب الأمريكي -الصهيوني مع الأنظمة المتحالفة موجات مضادة ثائرة من صلب الشعوب العربية تتمتع بالمؤهلات اللازمة لردع وكبج جماح الشر الأمريكي ، لقد تعرض اليمن لحرب ظالمة قاتلة وتعرض لبنان لشتى أصناف الاقتتال والمؤامرات الداخلية والخارجية وتتعرض فلسطين لكل صنوف الظلم والقتل والفتك ، لكن كل ذلك لم يتسبب إلا في زيادة قوة وشوكة أطراف المقاومة وزادها صلابة ،إن الحقيقة الأولى التي يجب ادراكها أن زمن القوة العسكرية المفرطة وزمن الهراوة الأمريكية فشل تماما في ترويض الشعوب وتسبب في إنتاج أجسام مضادة في الوعي البشري العربي وغير العربي ، في العراق وأفغانستان واليمن وها هو الان يتأكد مرة أخرى على يد غزة ولبنان واليمن .
4- تعاني الجاهزية العربية عبر سلسلة التاريخ الماضي والحديث من نقطة ضعف كبيرة تتمثل في القدرات الجوية او السيطرة الجوية أمام قدرات العدو المماثلة ، نرى هذا الأمر جليا في قدرات المقاومة في غزة والتي لو تمكنت من تحقيق سيطرة جوية على قطاع غزة لكانت معطيات العدوان كلها تغيرت ، سبب هذا الوهن يعود إلى سياسة ممتدة من الضمير الأمريكي الاستعماري لحرصه تماما على إبقاء العرب في دائرة الضعف الجوي العسكري وسحب أيديهم من هذا الجانب المهم في الصدامات مع المستعمرة الصهيونية ، لقد بدأت محاور المقاومة كما نرى تحقق انجازات لا يستهان بها تبشر بمستقبل مغاير لكل التاريخ السابق في هذه النقطة خاصة في حقل المُسيَّرات التي غيرت معالم الاستراتيجيات الجوية .
5- على الصعيد العسكري تؤكد كل هذه الأحداث التي اندلعت منذ السابع من اكتوبر عدم وجود قيمة قومية أو وطنية أو اقليمية للجيوش العربية ، بات من الواضح أن الشعوب العربية اتخذت على عاتقها مهمة استعادة الكرامة والقرار وايقاف الزحف الاستعماري الذي طال أمده ، لهذا السبب نبتت ظاهرة المقاومة في حواضن شعبية غير رسمية وتمكنت من تحقيق المهام التي هي بالأصل موكولة للأنظمة والجيوش الرسمية ، ولهذا السبب يجب التأكد تماما بأن هذه المقاومة تمثل مستقبل ومصلحة كل مواطن عربي من المحيط إلى الخليج مهما كان وضعه أو حالته أو مصيره .
6-هنالك جملة كبيرة من المصطلحات والحقائق المضللة التي يتم حقنها في أدمغة الشعوب إعلاميا وصحافيا ويتم تكريسها كأداوت لمحو الحقوق العربية ، لا يوجد في منطقتنا مصطلح اسمه (الصراع ) لأنه مصطلح لعوب كذوب ، هذا المصطلح يعني وجود أطراف متكافئة الحقوق أو الشرعية وتتنافس على الموجودات ، المصطلح الصحيح هو مشروع التحرير، الحقيقة الثانية ذات الأهمية الكبيرة تلك الكامنة في لعبة التضليل التي تحاول لَيَّ عنق المقاومة وتجيير كل نواياها وقرارتها نحو ايران ورجمها بأنها مشاريع مدسوسة غير وطنية وغير منتمية ، إن محور المقاومة يمثل مشاريع عربية وطنية صافية ، لا يعيبه ولا يدينه التحالف مع جمهورية ايران الحرة التي وقفت بكرامة أمام المشروع الامبريالي .
7- لا يمكن مقارنة القدرات والترسانات العسكرية لخزائن الولايات المتحدة بالقدرات العسكرية للمقاومة اللبنانية أو اليمنية أو الفلسطينية لأن هذه المقارنات ستخرج سوداء الوجه وخاسرة للرهان قطعا ، في المعارك الكونية التي تطفو كل يوم إلى سطح المنطقة ما يهم هو الايمان وإرادة التضحية وحرارة الكرامة التي تمتلكها القيادات العربية الجديدة التي تصعد في الوسط الملتهب وتعيد كتابة التاريخ المزيف السابق .
8- يعتقد الكثيرون بأننا نحتاج التهدأة والمفاوضات مع العدو لإعادة السكون إلى المنطقة والتقاط غزة وشعبها المناضل المعذب أنفاسه وايقاف حمى التصعيد بين حزب الله والعدو الصهيوني ، كل ذلك لا غبار عليه ولكننا للأسف ننسى بأن هذا العدو لا يمكنه التوقف ولا يؤمن بأي شيء سوى مسح وإبادة الطرف المقابل والهيمنة عليه بالكامل ، مشكلتنا هي مع الرؤية الأمريكية المذكورة في النقطة الأولى وهي رؤية لا يمكن رؤية الهدنة معها أو المفاوضات أو الاعتقاد بإحلال السلام ، ولنتذكر بأن آخر وفد مفاوض من الهنود الحمر ممن خرجوا من خيمة التفاوض بعد التوقيع على اقتسام بلادهم مع الغزاة تم تعليقهم على المشانق بعد أقل من أسبوع وسلخ فروة رؤوسهم .
9-إن حسابات الاشتباك مع حزب الله تغيرت عما كان عليه الوضع في الشهور الست الماضية من العدوان على غزة وبات من الضروي على هذا الكيان اجراء الاستعراض الأخير الانقاذي لنفسه بهجمة كبيرة على لبنان لن تكون بعيدة التوقيت وباتت لزوما حاسما لحياته ، لهذا السبب فمن المرجح جدا شن عدوان قصير النفس لتأكيد الحقائق السابقة .
10-إن المقاومة الفلسطينية بصمودها وبطولتها ،واللبنانية بتضحياتها وابداع أدائها ، واليمنية بجرأتها وإخلاصها العروبي ، أعلنت عن حقبة جديدة من مواجهة الاستعمار الغربي ، وأعلنت أنه لا خوف بعد اليوم ولا مكان لكم في بلادنا، إن الهندي الأحمر العربي لن يسمح لكم بالمرور ولا البقاء ولن تكون لكم النجــاة في أرضنا وبلادنا .