المُرشّحة سفيرة لأمريكا في العراق: ستنجح أمام الكونغرس وستفشل في العراق
كتب / السفير الدكتور جواد الهنداوي
اكثر من سؤال يجول في الخاطر ويُعّكرُ البال عن التصريحات التي أدلت بها ،امام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، السيدة تريس جاكوبسون ، المُرشحّة للعمل سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق .
كيف نصفها و نقيّمها ؟
وهل مناسب أنْ ترُد او تعقّب الحكومة في العراق على تصريحاتها ؟
ولماذا تبنّتْ المُرشّحة لمثل هذه التصريحات وماهي الاهداف؟
واقّل ما يُقال عنها (واقصد عن التصريحات ) بأنها جّداً سابقة لأوانها، ومُثيرة، ومُستفِزّة، ومنزوعة الدبلوماسيّة .
لماذا جّداً سابقة لأوانها؟ أولاً ،لأنَّ السيدة جاكوبسن ليست سفيرة، وانما مُرشّحة، وثانياً لم تصلْ بعد إلى العراق وتواجه مشهدهُ السياسي و ميدانه الامني. ولماذا مُثيرة ومستّفِزة؟ لانها عبارات تهديد ووعيد. ومن الطبيعي ان تكون التصريحات منزوعة الدبلوماسية ،لأنَّ السيدة المعنيّة ذات ماضي وظيفي عسكري واستخباراتي.
سبّبتْ التصريحات ،والتي طالت فصائل من الحشد الشعبي ، وعلاقة العراق بأيران، ردود فعل وتعليقات غاضبة من العراقيين، حيث يرون فيها تدخل و اساءة للعراق وعلاقاته مع دول الجوار ،و خاصة ايران .
وارى ان هذه التصريحات تصّرف غير مسبوق في العمل الدبلوماسي والعلاقات الدولية، وخطوة غير موفقّة للعمل والنجاح في الدولة التي ستعتمدها كسفير ،الاّ اللهّمَ ،برّهنت بعد تسميتها من قبل بلدها و اعتمادها من قبل العراق ، خلاف ما صرّحت به ،و التزمت بحدود عملها الدبلوماسي و بقواعده واصول .
ومن المناسب ان نستفهم عن الاسباب التي دفعت السيدة المُرشّحة في تبني هذه التصريحات الغليظة ،و التي تدرك السيدة جيداً بانها ليست وديّة تجاه العراق ،بل تزعج وتحرج حكومة العراق و تستفز سياسي و شعب العراق ؟
هل هي تصريحات من اجل النجاح في اختبار المثول امام لجنة العلاقات الخارجية و رئيسها ” بن غاردين ” ؟ أم وراء التصريحات توصيات لايصال رسائل سياسية ،ليس فقط للعراق ، و انما لدول المنطقة ؟
بالتأكيد ،مثل هذه التصريحات تُسّرُ اعضاء لجنة العلاقات الخارجية ،في الكونغرس الأمريكي ، و خاصة رئيسها ،السيناتور ” بن غاردين ” من الحزب الديمقراطي ، وهو صهيوني ومن المتحمسين جداً لإسرائيل و مصالحها، ومن المعارضين للاتفاق النووي مع ايران . و يتعامل مع ملفات الشرق الأوسط من خلال معيار مصلحة إسرائيل ،و كأمثلة على ذلك ، اذكرُ أحدثها و أبشعها : تأييده لقرار الرئيس السابق ترامب بنقل سفارة إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، دعا الامم المتحدة إلى الغاء مساعيها في التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في هجومها على غزّة عام 2021 , بعثَ رسالة توبيخ إلى الأمين العام للامم المتحدة السيد بان كيمون لوصفه ما قامت به إسرائيل في غزّة ” أعمال فظيعة “، خلال هجومها على غزة عام 2014 . ومن اغرب و احدث مواقفه هو عدم موافقته على إطلاقه مبلغ 235مليون دولار كمساعدة عسكرية إلى مصر ،بسبب ،مثل ما يقول ،عدم التزام الحكومة المصرية بمعايير وشروط حقوق الإنسان، ودعمه المطلق لإسرائيل وهي ترتكب جرائم حرب و ابادة وضد الإنسانية في غزّة !
لذا، مَنْ يعرف منسوب نفاق وتملّق اغلب المسؤولين الامريكين للوبي اليهودي و الصهيوني و لنتنياهو ، قد يتفهم موقف و تصريحات المُرشحّة للعمل سفيرة في العراق ،امام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس .
أنا أظّنُ، أمتلك المُرشّحة شعور ،وهي تُدلي بأستراتيجية عملها في العراق ، امام بن غاردين ، بأنها امام منظمة ” الايباك” اليهوديّة في امريكا ، وليس امام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي!
اذاً و وفقاً لما سبق من افتراض ،فان تصريحات المُرشّحة كانت لغرض عبور الاختبار امام اللجنة المذكورة ؛ اي تصريحات موجّه للوبي الصهيوني في امريكا ،وليس للخارج .و طبعاً هذا التحليل و الافتراض لا يعني تبرئة التصريحات من السيئات و الغباء .
هل هي تصريحات مدروسة وتبعثُ برسائل و تُبشّر بمرحلة جديدة من العلاقات الأمريكية -العراقية او الدور الأمريكي في المنطقة ، وكما يرى البعض ،ممن تناولوا الموضوع ؟
أمرٌ غير مُستبعدْ ولكنه ظرفيٌ ومتوقف على التطورات التي ستشهدها المنطقة ، وليس حصراً العراق .
ماذا يعني ذلك ؟
تعيش المنطقة حالة حروب مع امريكا و اسرائيل ،قد تقود هذه الحروب إلى حربٍ كُبرى وشاملة ،لا تستثني دولة من دول المواجه او المحسوبة ، وبالتالي ،تصريحات السيدة المُرشحة ، و الغليظة جداً تجاه إيران وفصائل من الحشد الشعبي في العراق مدروسة ،وتعبّر عن استراتيجية موضوعة ولكنها مُحتملة .
و لا احد مِنّا يستبعد و جود مثل هذا السيناريو و المُخطّط ، ولكن تحقّقه من عدمه متوقف على ما يجري في الميدان في غزّة وشمال فلسطين وحكومة الاحتلال .
تصريحات السيدة جاكوبسون توحي لنا ،وكأنها ستعمل في اجواء حرب ، وليس دبلوماسية ، ومن الغرابة ،ان لا يصدرُ تصريح ، ولو مُقتضب ، من الخارجية الأمريكية او من الادارة الأمريكية للتوضيح عن التصريحات التي أدلت بها مُرشحّة الرئيس بايدن ، بغرض التخفيف من وطأتها وجبر الخواطر .
ما المطلوب من حكومة العراق ، وخاصة وزارة الخارجية تجاه التصريحات ؟
علينا ،أولاً ، أنْ نقيّم طبيعة التصريحات قبل المطالبة او التفكير باتخاذ موقف . فهي تصريحات غير رسمية ،وصدرت من مُرشحّة للعمل كسفيرة وليست سفيرة ،فهي لم تمتلك بعد الصفة الرسمية ، وليس من المناسب ،تبني تصريح او اتخاذ موقف من وزارة الخارجية او من الحكومة للرّد على تصريحات او مواقف أمريكية غير رسميّة . الصمت وغض النظر عن التصريحات ( وليس اهمالها ) هو افضل جواب ، وكما قالَ الشاعر الكبير المرحوم محمد مهدي الجواهري ” وحين تطغى على الحَّران جمرتُهُ … فالصمتُ افضلُ ما يُطوى عليه فمُ” . قد يكون مناسباً ان يأتي الّردْ من قبل اعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب او غيرهم ، تعزيزاً لموقف الدولة وبرهاناً على حقيقة الديمقراطية و فصل السلطات في العراق .
نجاح مهمة السفيرة في العراق ، إنْ تم تسميتها ، وهذا اغلب الظّن، لأنَّ تصريحاتها اثلجت صدر “بن غارين”، سيتوقف على سلوكها. واعتقد، عند وصولها بغداد ،ستنافق ايضاً و ستهمسُ في الآذان ،انها ما قالت ذلك ايماناً و قناعةً، و انما فرضاً وطاعة لابن غارين و للجنة العلاقات الخارجية.