المختصر المفيد في بيان انبوب (البصرة – العقبة )
كتب / م.م هاني مالك العسكري
اولاً: الجذور التاريخية للمشروع .تاريخياً تعود أوليات المشروع إلى سنة 1983 عندما اتفق العراق والأردن خلال الحرب العراقية الإيرانية على مد هذا الأنبوب, لكن بعدما فشلت الدولتان في الحصول على ضمانات دولية بعدم تعرض الكيان الصهيوني للأنبوب وتدميره جرى التخلي عن المشروع وإهماله. وبعد سقوط نظام المقبور واحتلال العراق وقيام النظام الجديد، عاد المشروع إلى الواجهة سنة 2012،أي بعد عام من الاتفاقية العراقية الأميركية على انسحاب قوات الاحتلال في زمن رئيس مجلس الوزراء العراقي آنذاك، نوري المالكي، اذ تم الاتفاق مع الأردن على البدء بتنفيذ هذا المشروع, وحينها اتهم الرأي العام ان موافقة حكومة المالكي على هذا المشروع تأتي جزءاً من ثمن الانسحاب الأميركي، السري، واستمرت اللقاءات والمناقشات بين الطرفين من اجل اتخاذ الخطوات العملية لتنفيذ المشروع.
لكن المشروع تعرقل مجدداً بعد اجتياح تنظيم (داعش الارهابي) وسيطرته على ثلث مساحة العراق وانتهاء فترة حكومة المالكي الثانية . وفي سنة 2017 تجدد الضغط الأميركي على رئيس الوزراء الذي قاد عملية القضاء على تنظيم داعش، حيدر العبادي، الذي صرح بأن العراق دعا الشركات المتخصصة إلى تقديم عروضها لتنفيذ المشروع، وتلت ذلك فترة من التسويف والضغوط الأميركية. وفي سنة 2019، وقبل استقالته، أعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أن حكومته أعادت النظر كلياً بالمشروع ليكون ثلاثياً عراقياً أردنياً ومصرياً. ومع حكومة مصطفى الكاظمي، بلغ الإصرار العراقي على تنفيذ المشروع أوجه، وظل رئيس الحكومة مصراً على تنفيذه حتى أيامه الأخيرة، لكنه رحل وترك هذه القنبلة الاستراتيجية على مكتب السوداني؟.
لقد قيل الكثير عن هذا المشروع، بسبب طبيعته وأهدافه التي تغيرت كثيراً خلال المرحلة الراهنة ، وأمسى واحداً من عدة مشاريع وضعتها السياسة الأمريكية للتحكم بمنطقة الخليج العربي منطقة المصالح الحيوية .
ثانياً: الجدل الاقتصادي والسياسي حول المشروع . صحيفة "إندبندنت عربية" نشرت بتاريخ 1 تموز 2021، تقريراً اقتصادياً مفصلاً عن هذا المشروع بعنوان «العراق يصرّ على تنفيذ أنبوب "البصرة - العقبة" النفطي، رغم الانتقادات» خلصت فيه إلى أنه «لا قيمة تجارية له على الإطلاق، لأن كلفة نقل البرميل الواحد فيه قد تصل إلى تسعة دولارات إضافية مقابل ستين سنتاً عن طريق موانئ البصرة.
وفي قراءة لتفاصيل وأوليات الموضوع ، و من تقرير "إندبندنت عربية" يتضح أن المشروع منذ الإعلان عن الاتفاق بين الحكومة العراقية السابقة، برئاسة عادل عبد المهدي، والحكومة الأردنية في عام 2019، واجه سلسلة انتقادات وتشكيكاً ، وصلت إلى حد اعتباره بدايةً للعلاقة مع إسرائيل خلال الفترة المقبلة.
وفي رأي للباحث العراقي في مجال النفط حمزة الجواهري، قال فيه إنَّ «الكُلَف المرتفعة لتصدير النفط العراقي عبر الأنبوب العراقي - الأردني والمخاطر الأمنية من تفجيره تجعل منه غير مجدٍ اقتصادياً». وأضاف الجواهري أن 26 مليار دولار بجميع مراحله كُلفة إنشاء الأنبوب النفطي وهو رقم كبير، ما يعني أن كُلفة مرور برميل النفط الواحد ستبلغ تسعة دولارات. في المقابل، فإن كُلفة تصديره من الخليج عبر موانئ البصرة هي 60 سنتاً». الجواهري أضاف أن العراق سيقدم ضمانات سيادية - وهي ضمانات خطرة لا تجرؤ أغنى الدول على تقديمها - من أجل إنشاء هذا الأنبوب كونه سيكون أنبوباً عراقياً، وبالتالي سيكون المستفيدان منه هما دولتا الأردن ومصر، أما العراق فسيتحمل أي خسائر تطرأ». أمّا عن دور إسرائيل، فقد أوضح أن «الأنبوب يمرّ عبر مضيق تيران الذي تتحكم به إسرائيل بضمان عدة دول جميعها على علاقة جيدة بها»، معتبراً أن «أفضل الحلول هو استمرار تصدير النفط عن طريق موانئ البصرة على الخليج مع زيادة قدرتها التصديرية.
اما الخبير الاقتصادي الدكتور عبد علي عوض ، فوصف هذا المشروع بالكارثة حيث أبدَت عدة شركات استثمارية استعدادها لإنجاز ذلك المشروع، وفي البداية قدّمت التكاليف التخمينية بمقدار 18 مليار دولار... وهذا يعني أنّ العراق سيدفع مبلغاً يزيد على تكلفة النقل المعتادة بأربعة أضعاف على استخراج برميل واحد من باطن الأرض! ويتضمّن المشروع إقامة محطات الضخ، إضافة إلى إنشاء مستودعات التخزين في ميناء العقبة... والجانب الأردني لن يدفع سنتاً واحداً من تكاليف إنجاز ذلك المشروع، إنما يريد قطف ثماره من دون أية نفقات.يعدّ هذا المشروع العبثي والذي لا طائل تجارياً منه إحدى فقرات مشروع أطلق عليه «الشام الجديد»، ثم غيّروا اسمه - لأنه لا يمرّ بقلب الشام سوريا ولبنان - وسُمِّيَ مشروع «المشرق الجديد»، وهو مشروع أميركي غربي إسرائيلي يهدف في الدرجة الأولى إلى زجِّ إسرائيل في اقتصادات المنطقة ومحاصرة سوريا وإيران ومعهما كل دولة ترفض التطبيع والاستسلام.
إنّ من المعروف أن نفط العراق يذهب أغلبه إلى دول في آسيا وجنوب شرقها، وفي مقدمتها الصين والهند وأقصر طريق لها هو عبر موانئ العراق، فالخليج والمحيط الهندي. أمّا البحر الأحمر فلا يؤدي إلا إلى الكيان الصهيوني ومصر والسودان وإثيوبيا ودول جنوب أفريقيا واليمن والسعودية، ومعظم هذه الدول ليس لها أي تعامل تجاري نفطي مع العراق، أو أنها دول منتجة ومصدرة للنفط كالسعودية، فلا يبقى سوى إسرائيل، وأول دولتين عربيتين اعترفتا بها وتطبّعان معها وهما الأردن ومصر، وها قد اتضحت خطة المشروع الآن؟
إضافة إلى كل ما سبق، في كشف حقيقة مشروع أنبوب البصرة العقبة تأتي قضية التعتيم الاعلامي من قبل الحكومات المتعاقبة على التشكيك بجدوى هذا المشروع والخيوط التي تحاك من ورائه ففي عام 2021 عرض وزير النفط العراقي موقفين متناقضين تماماً يتعلقان بكلفة ونوعية عقد تنفيذ هذا الأنبوب، حيث تباينت الكلفة بما يزيد على 14 مليار دولار رغم بقاء الأساسيات الفنية ومكونات المشروع على ما هي عليه وبدون تقديم أي تفسير لهذا التباين غير المسبوق.
كما لم تعرض وزارة النفط دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، رغم التغيير الهائل في كلفة المشروع وتبديل العقد التنفيذي ونوعيته.
ثم هناك بعض الاسئلة التي ينبغي على وزارة النفط الاجابة عنها وهي هل ان البيئة السياسية، القانونية متوفرة في كل من العراق والأردن ، وهل تم دراسة اتفاقية وادي عربة (بين الأردن والكيان الإسرائيلي) وتقدير مدى تأثيرها على الأنبوب من الجوانب كافة: التنفيذية والتشغيلية والأمنية؟
ثم هناك تساؤلات اخرى ماذا يحدث للاقتصاد العراقي لو تم استخدام هذه الاموال الطائلة في تطوير جميع منافذ التصدير المتاحة للعراق الان - فسيكون للعراق طاقات تصديرية أكثر من الطاقة الإنتاجية للنفط. اذ يبلغ مجموع هذه المنافذ ما يزيد على 12 مليون برميل يومياً، منها 7 ملايين برميل يومياً كانت من خلال منافذ التصدير في تركيا وسوريا والمملكة العربية السعودية.
فهناك إمكانية في توفر خطين لتصدير النفط من خلال سوريا: الأول قديم بطاقة 2.2 مليون برميل يومياً ويحتاج إلى إعادة تأهيل مكثفة وينقل نفط كركوك إلى كل من حمص وميناء بانياس، والثاني جديد ينقل النفط الثقيل من الحقول الشمالية إلى طرطوس وبطاقة 1.5 برميل يومياً؛ وبذلك يمكن أن تتوفر طاقة تصديرية من خلال المنفذ السوري تفوق أنبوب البصرة - العقبة. ناهيك عن كلفة ضخ البرميل بالأنبوب من البصرة إلى العقبة بواقع 10.33 دولارات مرتفعة للغاية، مقارنة بكلفة النقل البحري من البصرة إلى العقبة والتي تستطيع شركة التسويق الحكومية «سومو» تحديدها بدقة.
ان قيام حكومة السيد محمد شياع السوداني، في تم إدراج المرحلة الأولى من المشروع، والتي تصل بالأنبوب إلى مدينة حديثة في الموازنة العراقية العامة وتخصيص مبالغ ضخمة لهذه المرحلة قدّرت بأربعة مليارات وتسعمئة مليون دولار (تعادل ستة تريليونات وأربعمئة مليار دينار عراقي) والتي سيتحمل العراق تكاليف بناء الأنبوب داخل الأردن أيضاً وحتى ميناء العقبة، ثم تؤول ملكية القسم الأردني منه بعدها إلى الأردن؟ بماذا يفسر كل هذا غير العلاقة المباشرة للكيان الصهيوني بمشروع أنبوب نفط البصرة - العقبة ومقدار الفائدة التي سيتحصل عليها،. اذ ان واشنطن تضغط على بغداد لتنفيذه. فمن هذا الخط ستأخذ الأردن 200 ألف برميل من النفط يومياً بخصم عشرة بالمئة، وتأخذ مصر 300 ألف برميل بخصم 18 بالمئة ثم تبيعه مصر إلى إسرائيل بخصم 8 بالمئة فتحصل على ربح عشرة بالمئة. والعراق سيدفع تكاليف خط البصرة - العقبة كلها وحتى للقسم المارّ في الأردن، وبعد عشرين سنة ستؤول ملكية هذا القسم من الخط إلى الأردن.