القيادة المعصومة، بين اكتمال الدّين وإظهاره..!
كتب / كوثر العزاوي ||
إنَّ مِن تمام الوفاءِ بالعهد والبيعة مع إمام زماننا، هو إحياء يوم الغدير واستذكار الظروف التي أحاطت بتلك الواقعة التي أحيَتْها ملائكة السماء وأهل الأرض، إذ سُمّيَ يومها في السماء “يوم العهد المعهود” وفي الارض،”الميثاق المأخوذ” ومثل هذه الذكرى لايوفَّق لمعرفتها إلّا الفائزون غير أنّي سأدَع التفاصيل التي صارت معروفة، وفي متناول اليد لمَن شاء المعرفة كأحداثٍ تأريخية متوفرة في المصادر الإسلامية جميعها، سواء عن تفاصيل الحدث ومجرياته أوبما تحدّثَ به رسول الله “صلى الله عليه وآله” في ذلك اليوم وفي تلك البقعة المباركة عند غدير خم، وسأكتفي بانتقاء بعض الدروس المستوحاة من يوم الغدير وما تنطوي على عِبر وعظاتٍ كثيرة ومهمّة للغاية ومنها:
تأكيد فضائل أمير المؤمنين “عليه السلام” للناس آنذاك، المحبّين منهم والمبغضين والمناوئين على حدّ سواء، حيث أضافت لهم هذه المناسبة المتميزة دراية أكثر بمناقب وفضائل الوصيّ”عليه السلام” ومآثره الجمّة، وثمة درس مهمّ وَعَيناهُ على قلة إحاطتنا وعِبرَ معرفتنا المتواضعة بيوم الغدير، ومن خلال الواقعة السماوية التي تمّ فيها تنصيب أمير المؤمنين”عليه السلام” بمقتضى الأمر الإلهيّ، إمامًا ووليًا وخليفة، بمعنى حاكمًا شرعيًا على الأمة الإسلامية، ليدرك العالم أجمع ضرورة معرفة اختيار الحاكم وعلى مدى العصور، وأنّ الحاكم الإسلامي لا بدَّ أن يكون شخصًا مماثلًا للأنموذج العلويّ الذي شاء الله بأمره أن يجعله مثلًا وعنوانًا للحاكم العادل الشفيق، سيما وأنّ شخصية أمير المؤمنين “عليه السلام” لم تكن لطائفة محددة ولا لعصرٍ معين، إنما هو مَثَلًا جعله الله حجّة على كلّ من آمنَ بالله ورسوله واليوم الآخر، ولهذا، فمن لم تتجسد فيه تلك المعايير الإسلامية العلوية، من عِلم إسلاميّ وعمل إسلاميّ وعدل وعفو وحلم وحزم وإنفاقٍ وتفانٍ وتواضع لله تعالى، والى غير ذلك من السمات الإلهية والشمائل الإنسانية التي حوتها شخصية أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب “عليه السلام” فلا أهليّة له في الحكم، ولم يك صالحًا لتسنّم شرف المسؤولية باسم الحاكم والمسؤول وتولّي حياة الناس والتسلّط على معايشهم، ما لم يأخذ شيئًا من نهج “عليّ” الحاكم والخليفة البصير! وعلى إثرِ فَهمنا المحدود، نستطيع القول: إنَّ رسول الله “صلى الله عليه وآله” قد وضع تلك المعايير بين يدَي أمّته بأمر الله “عزوجل” ومن عمق علمه ودرايته بالأمة، ليكون مصداقها عليّ ابن أبي طالب بعد أن أشهَدَهم على ذلك فشهِدوا، ليكون لهم درسًا غير قابل للنقض على مرّ الأزمنة جيل بعد جيل، للإنطلاق في معرفة اختيار من يمثّلهم في إدارة شؤون الأمَّة والمجتمع، وليتَ الأمة استوعبت آنذاك الدرس من يوم الغدير، وذلك الحدث العظيم الذي تجلّى فيه التخطيط الإلهيّ واضحًا كاشفًا عن حقيقة لاتقبل الشك”بأنّ الأسلام قد بدأ من اليوم الأول للدعوة النبويّة الشريفة، واكتمل في يوم الغدير الأغر الذي هو يوم إكمال الدين و تمام النعمة، ولو لم يتمّ تعيين خليفة للنبي”صلّی الله عليه و آله” ولم يتمّ تعيين وضع مستقبل الأمّة الإسلامية، لم تكن لتكتمل الشريعة بدون ذلك إطلاقًا، نعم فقد أكملَ الله دينه وأتمّ نعمتهُ بتعيين عليّ “عليه السلام”، هذه الشخصية الانسانية الكاملة الكفؤة، لتدرك الأمة أبعاد الحجة البالغة على جميع الخلق، بأنّ الدين الحنيف لايکتمل بدون قائد معصوم، «أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»، والقيادة المعصومة هي أساس استمرار الدين، وهي وحدها عاملٌ في تقهقر المستكبرين ويأس الکفّار من محاولات طمس الدين وإطفاء نوره، فلا تتمّ النعم إلّا بوجود نعمة القيادة الإلهية، «وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» أمّا ترك الولاية وإنكارها، هو جحود وکفران بنعمة الله “عز وجل” والعواقب وخيمة بلا شك! لانّ نكران الولاية يؤدي إلى نكران النبوة، وذلك للتلازم المشهود والواضح بين الرسالة المحمّدية المباركة، وبين استمرارية هذه الرسالة وبقاء النهج والأصول والمبادئ والقيم وما فيه صلاح الدنيا والآخرة، وقد جاءت بها هذه الرسالة الهادفة التي هي في الأصل رحمة للعالمين كما أكد الله “عز وجل” مخاطبًا رسوله العظيم ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾الانبياء١٠٧، فأنّى لرحمة الله أن تتحقق لو ترك نبيّ الرحمة المسلمين هملاً من دون وصيّ وخليفة يرجعون إليه من بعده؟! ومع كل هذا الفضل واللطف نرى مؤامرات الأعداء لا تتوقّف منذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا، نشاهد استماتة الکفّار والمستكبرين في محاربة الدين الحنيف بهدف إطفاء شعلة الدين المحمديّ الأصيل، إذ يؤكد ذلك قوله “عزوجل” {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }
التوبة ٣٢
وليت أولئك يعلمون، بأنّ الأسلام دين الله الخالد، قد أكمله وأتمّهُ يوم بيعة الغدير، وسيظهره بإذنه تعالى على جميع الأديان في آخر الأزمان، يوم ظهور صاحب الأمر المدّخر، القائم من آل محمد “عليهم السلام” ليتقلّد قيادة العالم وهو خاتم المعصومين، فيملأها قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورا، وهذا مابشَّرَ الله تعالى به عباده في صريح قوله عزوجل:
﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ التوبة ٣٣.
إنها بشری النصر وإظهار دين الإسلام وتمكين رُعاتهِ وحَفَظَته بعد مسيرة عناء طويلة.