عيد الغدير... عيد الله الأكبر
كتب / إبراهيم هلال العبودي
تزامنا مع عيد الأضحى المبارك، يمر علينا في هذه الأيام المباركة عيد الله الأكبر "عيد الغدير الأغر"، الذي أمر الله فيه رسوله بأن يؤدي إكمال رسالته، فلمَّا انتهى الرسول (صلَّى الله عليه وآله) من آخر حجَّةٍ حَجَّها، عائدا إلى المدينة المنوَّرة ، وحينما انتهى موكبه إلى غدير خم، هبطَ عليه أمين الوحي يحمل رسالة من السماء بالغة الخطورة .
وكانت هذه الرسالة تُحتم عليه أن يحُطَّ رِحالَهُ ليقوم بأداء هذه المهمة الكبرى، وهي تنصيب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام ) خليفة ومرجعاً للأمّة من بعده .
وكان أمر السماء بذلك يحمل طابعاً من الشدَّة ولزوم الإسراع في إذاعة ذلك بين المسلمين؛ فقد نزل عليه الوحي بهذه الآية : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَم تَفْعَل فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .
فقد أُنذِرَ النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) بأنّه إن لم يُنفِّذ إرادة الله، ذهبتْ أتعابه، وضاعت جهوده، وتبدَّدَ ما لاقَاهُ من العناء في سبيل هذا الدين، فانبرى ( صلَّى الله عليه وآله ) بعزمٍ ثابتٍ ، وإرادةٍ صلبةٍ ، إلى تنفيذ إرادة الله، فوضع أعباء المسير وحَطَّ رِحاله في رمضاء الهجير، وأمر القوافل أن تحط رحالها .
وكان الوقت قاسياً في حرارته، حتى كان الرجل يتقي حرارة الأرض بأن يضع هدمه تحت قدميه .
واجتمع ( صلَّى الله عليه وآله ) بالناس، فَصلَّى بهم، وبعد ما انتهى من الصلاة، أمر أن توضع حدائج الإبل لتكون له منبراً، ففعلوا له ذلك، فاعتلاها وكان عدد الحاضرين ـ في ما يقول المؤرِّخون ـ مِائة ألف ، أو يَزيدونَ على ذلك .
حتى أقبلوا بشغاف قلوبهم نحوه ( صلَّى الله عليه وآله ) ليسمعوا ما يقول في خطبته، فأعلن ( صلَى الله عليه وآله) ما لاقاه من العناء والجهد في سبيل الله وإنقاذهم وهدايتهم إلى الحياة الكريمة التي جاء بها الإسلام .
حيث جاء ( صلى الله عليه وآله ) بالأحكام الدينية، وتطبيقها على واقع حياتهم، ثُمّ قال لهم: ( انظُروا كَيفَ تخلفوني في الثقلين )، فناداهُ منادٍ من القوم : ما الثقلان يا رسول الله ؟ فقال ( صلَّى الله عليه وآله ) : (الثقل الأكبر: كتاب الله، طرف بيد الله عزَّ وجلَّ، وطرف بأيديكم، فتمسكوا به لا تضلُّوا، والآخر الأصغر: عترتي .
وإنّ اللطيف الخبير نبأني: أنَّهما لنْ يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فسألتُ ذلك لهما ربي، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصِّروا عنهما فتهلكوا ) .
ثُمّ أخذ ( صلَّى الله عليه وآله ) بيد أخيه ووَصيِّه وباب مدينة علمه الإمام علي ( عليه السلام ) ـ لِيَفرضَ ولايته على الناس جميعاً ـ حتى بَانَ بَياضُ إِبطَيْهِمَا ، فنظر إليهما القوم .
ثُمّ رفع ( صلوات الرحمن عليه وآله ) صوته قائلاً : ( يَا أَيُّهَا النَّاس، مَنْ أولَى النَّاس بِالمؤمنين مِن أَنفُسِهم؟
فأجابوه جميعاً : اللهُ ورسولُه أعلم .
قائلا (إنَّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولَى بهم.
وبذلك أنهى ( صلَّى الله عليه وآله ) خطابه الشريف الذي أَدَّى فِيه رسالة الله، فَنَصَّبَ أمير المؤمنين ( عليه السلام) خليفة، وأقامه عَلَماً للأمّة، وقَلَّدَهُ مَنصب الإمامة .فأقبل المسلمون يهرعون وهُم يُبَايِعُون الإمام علي ( عليه السلام ) بِالخِلافَة، وَيُهَنِّئُونَهُ بِإِمْرَةِ المُسلمين .
وقتها نزلت في ذلك اليوم هذه الآية الكريمة: ( اليَوم أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعمَـتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِيناً ) (المائدة/ 3 ) .
فقد كمل الدين بولاية أمير المؤمنين ( عليه السلام )، وتَمَّتْ نعمة الله على المسلمين.