كمائن الموت الضّربة القاضية لأحلام نتنياهو ؟
كتب / عبد الباري عطوان
تتربّع قيادة محور المُقاومة هذه الأيّام على قمّة التفوّق السياسيّ والعسكريّ والاستراتيجيّ، وتعكف على توزيع الأدوار لأذرعها في مِنطقة الشّرق الأوسط وبما يَصُبّ في الهدف الأسمى وهو إرباك التّحالف الأمريكي- الإسرائيلي، وإضعافه، للوصول إلى هزيمته الكُبرى في نهاية المطاف، وفق حساباتٍ دقيقة.
قبل الحديث عن الهدف الأساسيّ الذي لفت نظرنا ويستحقّ التوقّف عنده تأمُّلًا وتحليلًا، واستقراءً لمرحلة ما بعد البيان المُفاجئ والتهديديّ الذي صدر عن البعثة الإيرانيّة في الأمم المتحدة، نَجِدُ لِزامًا علينا التوقّف عند ثلاثة تطوّرات مُهمّة في جبهات المُقاومة المفتوحة والتي تزداد سُخونة:
أوّلًا: اتّساع نطاق، وفاعليّة “كمائن الموت” التي تنصبها كتائب المُقاومة في قطاع غزة، والقسّام (حماس) وسرايا القدس (الجهاد)، لاصطِياد الدبّابات وحامِلات الجُنود الإسرائيليّة في رفح جنوبًا، وأحياء غزة شمالًا، وخاصَّةً “الشجاعية” و”حي الزيتون”، فخسائر الجيش الإسرائيلي في الأرواح والمعدّات باتَ من الصّعب رصدها لتسارعها وأعدادها المُتصاعدة.
ثانيًا: استهداف القوّات اليمنيّة 4 سفن في البحرين الأبيض والاحمر بالتّنسيق مع كتائب المُقاومة الإسلاميّة العِراقيّة، وإحدى هذه السّفن أمريكيّة، وأُخرى إسرائيليّة، وهذا يعني أنّ 84 بالمئة من المِلاحة الدوليّة التجاريّة باتَ مُهَدَّدًا، والشّيء نفسه يُقال عن قناة السويس التي خسرت أكثر من 60 بالمِئة من دخلها، أي ما يُعادل 6 مِليارات دولار سنويًّا، وكذلك مضيق جبل طارق، بوّابة البحر المتوسّط، ممّا يعني أنّ الجيش اليمني باتَ القُوّة العُظمى المُتحكّمة بهذه البِحار ومضائقها.
ثالثًا: انتقال “كمائن الموت” الحديثة المُتطوّرة هندسيًّا وتنفيذًا من القطاع إلى الضفّة الغربيّة، وكان الكمين الذي نصبته كتائب سرايا القدس بالقُرب من مدخل مخيّم جنين بزرع ست عبوّات على عُمُق متر، وتفجيرها لاسِلكيًّا، ممّا أدّى إلى مقتل ضابط، وإصابة 16 جُنديًّا بعضهم إصابته خطيرة، وتدمير دبّابة من نوع (فهد)، وحاملة جنود (نمر) كان هو قمّة جبل الجليد، وهُناك أنباء شبه مُؤكّدة تُفيد بأنّ مدافع الهاون، وتكنولوجيا الصّواريخ، وصلت إلى مخابئ ومعامل سِرّيّة في مُدُن الشّمال (نابلس وطولكرم، وجنين) تحت الأرض وفوقها، الأمر الذي سيُغيّر كُل قواعد الاشتباك في الضفّة لصالح المُقاومة في الأيّام القليلة المُقبلة.
***
نعود إلى جبهة جنوب لبنان التي تزدادُ سُخونةً وباتت تتحوّل إلى الجبهة الرئيسيّة في جبهات محور المُقاومة لأنّها تتحوّل بسُرعةٍ إلى غرفة القيادة لإدارة وتوزيع الأدوار على الجبَهات الأُخرى.
البيان المُفاجئ الذي صدر عن بعثة إيران في الأمم المتحدة أمس الجمعة، حمل تهديدًا مُباشرًا وواضحًا للولايات المتحدة أوّلًا، ولدولة الاحتلال ثانيًا، يتلخّص في التّحذير “من إنّه إذا شرعت دولة الاحتلال في شنّ عُدوانٍ عسكريٍّ شاملٍ على لبنان فسوف تندلع حرب إبادة، وفي هذه الحالة كُل الخِيارات بما فيها المُشاركة الكاملة لمحور المُقاومة مطروحةٌ على الطّاولة”.
أربع مُلاحظات يُمكن التوقّف عندها في هذا البيان وما خلفه:
أوّلًا: اختيار القيادة الإيرانيّة لبعثتها في الأمم المتحدة لإصدار هذا البيان، وليس الحرس الثوري مثلًا، يعني أنّ الهدف هو إيصال رسالة لامريكا بأنّ ايران ستتدخّل عسكريًّا للدّفاع عن حُلفائها (حزب الله) في لبنان، وأنّ كُلّ الجبهات الأُخرى ستشتعل ليس ضدّ إسرائيل فحسب، وإنّما ضد أمريكا ومصالحها في المِنطقة، والإشارة إلى الهُجوم الصّاروخي والمُسيّراتي الإيراني على قواعد عسكريّة إسرائيليّة في النّقب (360 صاروخًا ومُسيّرة) تحت عُنوان “الوعد الصّادق” هو مُحاولةٌ ذكيّة للتّذكير بأنّ إيران إذا هدّدت نفّذت ولن تتخلّى عن حُلفائها.
ثانيًا: من المُحتمل وصول معلومات شبه مُؤكّدة لإيران بأنّ استِئناف الولايات المتحدة إرسال قذائف دقيقة إلى دولة الاحتلال وبسُرعةٍ غير مسبوقة (2800 قذيفة من أوزان 2000 و500 رطل) وأُخرى خارقة للتّحصينات، و3 آلاف صاروخ (هيلفاير)، هو مُقدّمة، أو في إطار الاستِعداد للهُجوم على كتائب حزب الله، لأنّ القيادة الإسرائيليّة لم تعد تتحمّل حالة الانهيار في الشّمال الفِلسطيني المُحتل، وترحيل 200 ألف مُستوطن وإحراق 100 ألف دونم من الأراضي الزراعيّة والأحراش.
ثالثًا: كان من أبرز النقاط التي بحثها يوآف غالانت وزير الحرب الاسرائيلي مع القيادة الأمريكيّة، أثناء زيارته الطّارئة الأخيرة لواشنطن ليس التوتّر المُتصاعد على الجبهة الشماليّة فقط، وإنّما توسّع البرنامج النووي الإيراني وتطوّره وسط معلومات بأنّ إيران انتقلت من دولة حافّة نوويّة، إلى دولةٍ نوويّةٍ فِعليّة، الأمر الذي يُشَكّل تهديدًا وجوديًّا على دولة الاحتلال، والدّليلُ الأبرز تحذير السيّد كمال خرازي، الذي يرأس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجيّة الإيرانيّة، بأنّ إيران ستُطلق تجربة كاملة لأوّل رأس نووي في اليوم التّالي لأي عُدوان إسرائيلي على طِهران، ممّا يعني أنّها تملك الخُبرات، والعُقول، واليورانيوم المُخَصّب، والصّواعق والمواد الأُخرى اللّازمة لتصنيع القنابل النوويّة.
***
إسرائيل مهزومة على جميع الجبهات، وهذه الهزيمة التي جاءت نتيجة إدارة عسكريّة دقيقة ومُتكاملة ومدروسة بعناية، أوّلها الاختيار المُناسب لموعد إطلاق معركة “طُوفان الأقصى”، وتوزيع أدوار كتائب محور المُقاومة والتّنسيق عالي المُستوى بينها وقياداتها في الجبهات الثلاث الرئيسيّة، والغطرسة الإسرائيليّة المدعومة بغباء، وقِصَر نظر أمريكي.
الخطأ الأكبر الذي ارتكبه الثّنائي الأمريكي- الإسرائيلي، ونَحْمَدُ الله عليه، هو الاعتقاد بأنّ ثقافة الاستِسلام، وأنّ عرب التّطبيع، القُدامى منهم والجُدُد، هم القُدوة والقِياس، والتّمثيل الحقيقيّ للعربي الجديد.
الأسابيع والأشهر القادمة حاسمة، والحرب الإقليميّة المُوسّعة باتت احتِمالات اشتعال فتيلها أقوى من أيّ وقتٍ مضَى، وليس أمام إسرائيل إلّا القُبول بالهزيمة، إمّا استِسلامًا تقليصًا للخسائر وهُروب مُستوطنيها إلى ملاذاتٍ آمنة دائمة في المهاجر الأمريكيّة والكنديّة والأستراليّة والأوروبيّة، وإمّا الفناء في جبَهات القتال دُفعةً واحدة، أو بالتّقسيط غير المُريح (الاستِنزاف).. والأيّام بيننا.