هل ستقصف صواريخ ومُسيّرات محور المُقاومة القواعد الأمريكيّة في أوروبا والبداية قبرص ؟
كتب / عبد الباري عطوان
عندما تُعلن القيادة العسكريّة الأمريكيّة العُليا وضع جميع قواعدها في مُختلف انحاء أوروبا في حال تأهُّبٍ قُصوى وتمنع جُنودها من الخُروج منها بالملابس العسكريّة، فهذا يعني أنّ هُناك معلومات مُؤكّدة مُوثّقة عن عمليّاتٍ هُجوميّةٍ وشيكةٍ بصدد استهدافها ومن فيها من جُنودٍ ومُنشآت.
المصادر الأمريكيّة التي سرّبت هذه الأنباء لقناة “سي إن إن” لم تُحدّد نوعيّة هذا “التّهديد الإرهابي” ولا مصدره، أو بالأحرى الجهات التي تقف خلفه، وهل يتواجد هؤلاء الذين من المُفترض أن يقوموا بالتّنفيذ حاليًّا في أوروبا، أمْ أنّهم سيأتون إليها من الخارج، وأي خارج على وجه التّحديد؟
هُناك ثلاث جهات يُحتمل أن تقف خلف أيّ تهديد مُحتمل للقوّات الأمريكيّة في أوروبا نَذكُرها ونُفنّدها:
الأولى: كتائب شرق أوسطيّة، ومن محور المُقاومة على وجه الخُصوص، أو المُتعاطفين معه، بشكلٍ مُباشر أو غير مُباشر، بالنّظر إلى حربِ الإبادة التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكيّة في قطاع غزة والضفّة الغربيّة وجنوب لبنان واليمن وبدأت نتائجها الأوّليّة تُعيد رسم خرائط القوّة في المِنطقة والعالم.
الثانية: عناصر تابعة لداعش، أو ما يُسمّى بـ”الدولة الإسلاميّة” كرّرت عمليّات هُجوميّة مُماثلة في أكثر من دولة أوروبيّة، وخاصَّةً فرنسا وبريطانيا، ولكن هذه الهجمات لم تستهدف أمريكيين والأسباب معروفة، وإنّما من المدنيين الأبرياء.
الثالثة: جماعات غير تابعة للدّولة الروسيّة بشَكلٍ مُباشر (مِثل قوّات فاغنر) ولكنٍها تتحرّك بإيعازٍ من جهاتٍ استخباريّة روسيّة كنوعٍ من التّمهيد أو “التّسخين” للمُواجهة الروسيّة- الأمريكيّة الكُبرى بسبب اقتراب المرحلة التّالية للحرب الأوكرانيّة حيث من المُتوقّع أنْ تكون القواعد الأمريكيّة في القارّة الأوروبيّة التي ستُشكّل نُقطة انطلاقٍ للهُجوم الغربيّ على العُمُق الروسيّ، سواءً بأسلحةٍ تقليديّة أو غير تقليديّة، لأنّ مُعظم هذه القواعد الأمريكيّة تحتوي على منصّات إطلاق لصواريخٍ نوويّةٍ أمريكيّة.
***
مُشاركة الولايات المتحدة الأمريكيّة المُباشرة في حرب الإبادة والدّمار التي تُمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي مُنذ تسعة أشهر في كُل من الضفّة والقطاع صعّدت من حالة الكراهية ضدّها في العالمين العربيّ والإسلاميّ، ومن المُمكن أنْ تُترجم هذه الكراهية، بل والحقد، إلى هجماتٍ ضدّ الأهداف والمصالح الأمريكيّة في مِنطقة الشّرق الأوسط والقواعد الأمريكيّة في أوروبا على غِرارِ ما حدث في السّبعينات والثّمانينات من القرن الماضي، ومن قِبَل المنظّمات الفِلسطينيّة بدَعمٍ من سورية والعِراق على وجه الخُصوص.
ما يُسمّى بـ”الدولة الإسلاميّة” أو “داعش” من المُستَبعد كُلِّيًّا أن تُقدم على مِثل هذه العمليّات، لأنّه لا يُوجد في تاريخها أي عمليّة ضدّ الولايات المتحدة، بل تركّزت جميع عمليّاتها تقريبًا ضدّ أهداف وحُكومات معروفة بعدائها لأمريكا، مٍثل سورية، والعِراق، وليبيا، وليس من المعروف عن القيادة الروسيّة الحاليّة دعم أو تمويل منظّمات “عنيفة” بهدف شن هجمات على قواعد أمريكيّة حتّى الآن لأنّها ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك باللّجوء إلى الخِيار النوويّ علانية في حالِ السّماح لأوكرانيا باستِخدام صواريخ أو قنابل أمريكيّة أو أوروبيّة في أيّ قصفٍ للعُمُق الروسي.
هذه التّهديدات للقواعد الأمريكيّة في أوروبا ربّما تأتي في إطارِ حربٍ شاملة ضدّ الولايات المتحدة تشمل قواعدها في الشّرق الأوسط ومِنطقة الخليج أيضًا، وتُوحي بقُرب انفِجار الحرب الشّاملة والمُوسّعة في المِنطقة، فإذا كانَ هذا التّهديد قادمٌ من الشّرق الأوسط، وهو الأرجح، فلماذا يتم قصف قواعد أمريكيّة في أوروبا فقط، واستثناء نظيراتها الأقرب في المِنطقة العربيّة؟
ماذا تتوقّع الولايات المتحدة الأمريكيّة أن يكون رد الفعل العربي على انخِراطها في حرب الإبادة التي أدّت إلى استشهاد وإصابة أكثر من 150 ألفًا في قطاع غزة، وتدمير مُعظم المُستشفيات، وإغلاق كُل المعابر في وجه المُساعدات الإنسانيّة لأبنائه، في إعلانٍ مُباشرٍ لبدء مُوسّع لحرب التّجويع التي لا تقلّ خُطورةً وفتكًا.
بالأمس أعلنت القيادة الأمريكيّة عن إرسالها 10 آلاف قنبلة شديدة الدقّة التدميريّة والقتل بثلاثة أوزان: 2000، 1000، 500 رطل لدولة الاحتلال الإسرائيلي، علاوةً على طائرات شبح “إف 35″، وآلاف الصّواريخ من طِراز “هليفاير”، فهل تتوقّع هذه القيادة المُفترسة، معدومة الإنسانيّة والضّمير، أن يقذفها محور المُقاومة وأنصاره بالزّهور والبالونات المُلوّنة، أليست هذه القنابل بهدف تدمير جنوب لبنان لأنّ 90 بالمئة من منازل غزة جرى تدميرها فعلًا؟
ثلاثة تطوّرات مُهمّة يُمكن رصدها في أراضي وأجواء المنطقة ظهرت إرهاصاتها بوضوحٍ في الأيّام القليلة الماضية وتُشكّل فألًا مُرعبًا لإسرائيل وأمريكا معًا:
الأوّل: إعلان العميد يحيى سريع المتحدّث باسم القوات المسلحة اليمنيّة عن امتلاك بلاده وجيشها زوارق مُسيّرة تحمل اسم “طوفان المدمر” قادرة على تدمير السّفن العسكريّة وحاملات الطّائرات الأمريكيّة في البُحور الثّلاث الأحمر والعربي والمتوسط، إلى جانب المحيط الهندي، وقصف أربع سفن في البحرين الأبيض والاحمر من بينها سفينة أمريكيّة.
الثاني: إعلان سماحة السيّد حسن نصر الله أمين عام حزب الله، في خطابه الأخير بأنّ رد محور المُقاومة على أيّ هُجوم إسرائيلي سيكون بلا ّضوابط أو سقف أو قواعد، وهذا تلميحٌ بأن القواعد الأمريكيّة في أيّ مكان لن تكون في منأى عن أيّ ردٍّ انتقاميّ، بدءًا من قبرص الأوروبيّة وانتهاءً بالقواعد الأخرى في مِنطقة الخليج، أو هكذا فهمناها.
الثالث: تحذير البعثة الإيرانيّة في الأمم المتحدة بأن إيران سترد بقوّة على أي عدوان يستهدف المُقاومة الإسلاميّة في لبنان، في إشارةٍ مُباشرة إلى “حزب الله” وحُلفائه، مع التّذكير بهُجوم “الوعد الصّادق” الإيراني المُباشر بالصّواريخ والمُسيّرات على القواعد الإسرائيليّة في النقب المُحتل في سابقةٍ غيّرت كُلّ قواعد الاشتباك وحملات التّشكيك.
***
الخلايا الفِلسطينيّة المُقاتلة حوّلت المطارات الأوروبيّة إلى ميدانٍ للتّفجيرات في السّبعينات والثّمانينات من القرن الماضي ردًّا على التّواطُؤ والدّعم للاحتلال، ومن غير المُستبعد أن يُحوّل أحفاد وأبناء وآباء وأشقّاء الأطفال الشّهداء في قطاع غزة والضفّة واليمن وجنوب لبنان القواعد الأمريكيّة في أوروبا والشّرق والاوسط إلى كُتلةٍ من اللّهب، مع فارقٍ أساسيّ، وهو أنّ حاضنة هؤلاء، أي كتائب المُقاومة الحاليّة، تملك صواريخ فرط صوت، ومُسيّرات انغماسيّة مُتطوّرة جدًّا أثبتت فعاليّة ودقّة عالية في اختراق الدّفاعات الأمريكيّة والإسرائيليّة والوصول إلى أهدافها.
انحياز القيادة الأمريكيّة ودعمها لحرب الإبادة والتّطهير العِرقي التي تشنّها إسرائيل في قطاع غزة والضفّة الغربيّة وجنوب لبنان، سيُشكّل نقطة البداية الكُبرى لانهيارها، وتدمير مصالحها في العالم بأسْرِه بعد أن أضاعت فرصة ذهبيّة لمنع ذلك بوقف هذه الحرب في بدايتها ولجم كلبها الإسرائيلي المسعور.
دولة الاحتلال الإسرائيلي انهزمت في قطاع غزة، وجنوب لبنان، ولم تجرؤ رُعبًا على إطلاق رصاصة على اليمن، والمُقاومة لن تتوقّف حتمًا حتّى اكتمال عمليّة الانهيار، ونهاية المشروع الصّهيوني، والأهم من ذلك أنها تأخُذ الولايات المتحدة معها إلى القاع، ولمصلحة خُصومها في الصين وروسيا.
العصر الصّهيوني يلفظ أنفاسه الأخيرة، ومن حُسن الحظ، أنّ قادته يُصِرّون على استخدام كُل ما لديهم من قوّة وأوراق ضغط لمُكافأة الولايات المتحدة على خدماتها الكبيرة بأخذها معهم إلى قعر الهاوية.. فألف مبروك للاثنين.