البارزاني وعقدة الدولة
كتب/ حسن حامد سرداح
في الحكمة المأثورة عن الأجداد وقصصهم، دائما مانردد “اذا عرف السبب بطل العجب” لنختصر على انفسنا رحلة البحث في التحليلات والدوافع عن تصرفات جماعات او حتى شخصيات محددة تختار سياسة البحث عن المصالح على حساب الجميع وبادوات “رخيصة” تمارس من خلالها التنازلات ومختلف فنون الخنوع مقابل ضمان ورقة رابحة تمنح كيانها حصانة الانفصال بعد نجاحها بتمزيق خارطة الوطن.
نعم.. تلك السياسة الواضحة للسلطة في اقليم كردستان منذ ايام ملا مصطفى البارزاني وعلاقاته “المشبوهة” مع الكيان الغاصب لارض فلسطين وكيف يسرد لنا من عاصره روايات عن استعانته بالموساد ايام حربه مع الانظمة المتعاقبة على حكم بغداد، وهي حقائق إثباتها لا يحتاج سوى جولة قصيرة في مواقع التواصل الاجتماعي وتقليب صفحات كتاب “الموساد في العراق ودول الجوار” والذي يبلغنا مؤلفه الاسرائيلي بان ملا مصطفى البارزاني “ذبح كبشا كبيرا بعد نكسة حزيران” للتعبير عن فرحته بانكسار العرب وانتصار اسرائيل كما يصفها المؤلف “شلومو نكديمون” لان البارزاني الاب كان يحلم بالدولة الكردية التي تبتلع اطراف بلادنا الشمالية وتتجاوز حدود الجيران، ويرى توسع الكيان باقامة دولته على ارض فلسطين المحتلة، هرمونا يحفزه للاستعانة بمخططات الصهاينة وطريقة تنفيذها برعاية الحامي الأول للاستعمار امريكا وبريطانيا.
تلك الأحلام لم تنقطع برحيل الملا مصطفى، فنجله مسعود البارزاني الذي تسلم الراية بعده اختار السير على النهج ذاته، لكن بطريقة غير معلنة، وقد توصف بانها اكثر دبلوماسية لاسباب عديدة تتعلق اكثرها بطبيعة نظام صدام حسين وكيفية تعامله مع القضية الكردية والخلافات الداخلية بين الاحزاب الكردستانية التي أوصلتهم للحرب الاهلية في تسعينيات القرن الماضي، ليجد كاك مسعود فرصته المناسبة بعد العام 2003، باختلاق المبررات من اجل احياء “الحلم الميت” لوالده باقامة الدولة الكردية، فمرة يتحدث عن “اجحاف” بالتعامل من قبل الحكومات المركزية ومرة يخترع “الأكاذيب” وقصص خيالية عن أحقية الاقليم بمساحات من اراضي المحافظات المجاورة، حتى وصلت به الحال لاطلاق شعارات “الحدود الجديدة ترسم بالدم” والتي انتهت “بصدمة” كبيرة حينما وقفت امريكا متفرجة على مشروع الاستفتاء وهو ينهار امامه، وتركته يغادر محافظة كركوك والأراضي التي استولى عليها بعد سنوات التغيير والحرب ضد تنظيم داعش، بخسارة توجها بالانسحاب من رئاسة إقليم كردستان.
لكن.. ورغم جميع تلك الخسائر وحالات الخذلان.. عائلة البارزاني لازالت غير مقتنعة بمقولة “المتغطي بامريكا عريان” وتحاول في كل مرة تقديم انموذجا جديدا من “العمالة” ولعل اخرها، رسائل رئيس حكومة تصريف الأعمال في الاقليم مسرور البارزاني للنائب عن الحزب الجمهوري مايك والتز، والذي يشغل منصب الرئيس المشترك للمجموعة الكردية الأمريكية في الكونغرس، لتكون الوسيلة “المحفزة” للتهديدات التي اطلقها عضو الكونغرس ضد رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان واتهامه بتنفيذ سياسة ايران في العراق، ولم يكتفي النائب مايك والتز بقائمة الاتهامات ليعلن بانه سيقدم مشروعا للكونغرس يشمل السيد فائق زيدان بالعقوبات الأمريكية، حتى تكتمل مهمته وينفذ رسالة السيد مسرور البارزاني بالانتقام من القضاء العراقي وسيادته بعد قرارات المحكمة الاتحادية التي “أزعجت” السلطة في اربيل وبمقدمتها توطين رواتب الموظفين في مصارف الحكومة المركزية واجبار كاك مسرور على الامتثال للمحكمة الاتحادية التي “تمرد” عليها سابقا ووصفها بمحكمة الثورة.
وحتى لا ننشغل بكيفية تسريب رسالة السيد مسرور وطريقة وصولها لوسائل الإعلام.. فان العديد من نقاطها تجعلك تضحك بصورة “هستيرية”، ومنها مطالبته لعضو الكونغرس بالإسراع بتزويد كردستان باسلحة الدفاع الجوي لحماية امن أربيل ومصالح واشنطن في الاقليم، واتخاذ الاجراءات ضد المليشيات المدعومة من الدول الخبيثة، ولا نعلم اية دول “خبيثة” يقصدها السيد مسرور هل هي ايران؟.. ام تركيا التي اخترقت محافظة دهوك من الجو والبر وفرضت سيطرتها على نحو 70 بالمية من مساحتها، بينما يمارس كاك مسعود سياسة “الصمت” ويمنع الحديث عن تلك الخروقات او ادانتها بأضعف الايمان.
الخلاصة:.. ان عائلة البارزاني ومن خلال اللوبي الأمريكي الذي اشترته بحقوق شعب كردستان واموال النفط المهرب تحاول اقناع “داعمي تمزيق الشعوب” بان العراق لا يصلح للعيش المشترك ولا يمكن التفكير بحلول غير إعلان الدولة الكردية، وتناست بان سياسية البيت الأبيض لا تقدم الدعم المجاني بدون ثمن تدفعه الشعوب من حريتها واستقلالها عن قرارات المحتلين… اخيرا.. السؤال الذي لابد منه… متى تتعض عائلة البارزاني وتبتعد عن عقدة الدولة؟.