رقابةٌ برلمانيَّة مشدَّدة
كتب / محمد خضير
رغم النهضة العمرانية والخدمية، التي تمارسها الحكومة لاستعادة ثقة الشعب بنظامه الديمقراطي، إلا أن العراقيين يحثون السلطة التشريعية ونوابها على ممارسة دور رقابي وتشريعي أكثر صرامة وحركة وتفاعلا، فالخلود بين فينة وأخرى إلى استراحات شتائية وصيفية بداعي العطلة التشريعية، لم تجد طريقها المقبول لمزاج الشعب المرهق جراء تعطل القوانين ذات التماس المباشر مع احتياجاته اليومية العاجلة والملحة.
فالشعب يدرك ان الإصلاحات المطلوبة تشجع، بل تطالب البرلمان للعب دور أكثر فعال في المعايير الشفافية والنزاهة، وباعتبار الأخير المؤسسة الوحيدة التي تتمتع بسلطة الرقابة على الحكومة والاضطلاع بدور نشط في الرقابة على الموازنة، فإنه يشكل جزءا أصيلا من المساءلة والتطوير، ويتيح التشجيع على المشاركة العامة فرصة للمواطنة الأكثر مشاركة، وتكوين سياسيين يتمتعون بالوعي والدراية، ومن ثم يحيي الأمل في تحقيق نتائج إنمائية أفضل. ففي كل نظام نيابي يعد عضو السلطة العليا ممثلاً أو وكيلاً أو نائباً عن الشعب بأكمله في تحقيق المصلحة العامة، وبمجرد دخوله البرلمان يتخلى عن صفته كممثل لدائرته أو حزبه، ليصبح ممثلا لمصالح الأمة بأسرها، ويناط به تحقيق المصلحة العامة، وذلك من خلال وظائف البرلمان التشريعية والرقابية والمالية المتنوعة، وفقاً لأحكام الدستور والقانون واللائحة الداخلية المنظمة لسير العمل في المجلس.
وإزاء هذا الدور التشريعي والسياسي والمالي لعضو البرلمان، فإنه لا يجوز له أن يتمسك باعتبارات مناطقية أثناء ممارسته البرلمانية، كون هذا سيجزئ مفهوم المصلحة العامة التي قد تتصادم في كثير من الأحيان مع البواعث المناطقية، بل عليه أن يكون حريصاً على أداء أدواره الثلاثة التشريعية والرقابية والمالية بتجرد كامل ونزاهة، وأن يتفرغ لتأدية هذه المهام، التي تعد من أخطر الوظائف باعتبارها تمثل بوابة التقدم والتنمية والديمقراطية.
ولا شك أن هذه الاليات من شأنها ان تحصن العمل البرلماني وتعزز الديمقراطية، لأن المساءلة والمحاسبة هي من أهم ركائز النظام الديمقراطي، من هنا يتمثل دور الرقابة الذي يمارسه المجلس النيابي في توجيه الاسئلة إلى الحكومة واستجوابها في المناقشات العامة، ومن ثم طرح الثقة بها أو بأحد وزرائها، فضلا عن تأليف لجان تحقيق برلمانية تتمتع بصلاحيات قضائية من شأنها أن تؤدي إلى اتهام الرؤساء والوزراء والمسؤولين دون عوائق.
اخيرا، ان البرلمانات القوية ترسخ المشاركة الجماهيرية في الأمور السياسية وتشجع النموذج الحكومي الأكثر تجاوبا، ويتوقف حدوث ذلك على توفر أنظمة سياسية وصلاحيات رسمية ممنوحة لبيت الشعب، وإرادة وفضاء سياسي، وقدرات فنية لتحقيق الهدف المرجو.