التعداد العام قبل نهاية العام
كتب / عبد الزهرة محمد الهنداوي
تأخر العراق كثيرا في إجراء التعداد العام للسكان، وهذا التأخير الطويل، كان نتاج الظروف المعقّدة التي واجهها البلد، متزامنةً مع الاستحقاق الزماني لاجراء التعداد السكاني. ورب قائل يقول (رُبّ ضارة، نافعة)، فهذا التأخير، وعلى الرغم من انه خلّف فجوة هائلة من البيانات، الا انه ربما لو كان العراق نفذّ تعدادا سكانية في اعوام سابقة مثل 2010 أو 2014، أو حتى قبلها، فمن المؤكد أن ذلك كان سيخلق اشكالات ومشكلات، معقده، ولكان ضرر التعداد اكثر من نفعه، لا سيما أن الصراع الطائفي والاثني كان في ذروته في تلك السنوات، وبالتالي فإن اي نتائج تظهر ستكون محط شك وطعن، وغير قابلة للاعتراف، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أن عددا من بلدان المنطقة اجرت تعداداتها السكانية خلال السنوات العشر الماضية، وبالتالي فان ذلك يمثل فرصة مهمة للعراق، للاستفادة من تلك التجارب، خصوصا مع التوجه نحو الرقمنة، وأن تُجرى جميع الفعاليات الاحصائية، وفي مقدمتها التعداد الكترونيا، إذ إن وضعنا الالكتروني، بات افضل مما كان عليه قبل عشرة اعوام مثلا، فاليوم ثمة الكثير من الفعاليات والخدمات اصبحت مؤتمتة، وتعامل المواطن مع التكنولوجيا صار اسهل، ناهيكم عن وضعنا المالي الذي هو الاخر تحسن بنحو ملحوظ، وصار بامكان الحكومة اكثر مما كان من جهة الانفاق على المشاريع والتوجه نحو المشاريع الاستراتيجية، التي يمكن ان تخدم التنمية على المدى البعيد، ولعل التعداد السكاني يعد إحدى الركائز المهمة، التي يمكن ان تقدم خدمة تنموية هائلة، بلحاظ قاعدة البيانات الشاملة التي سينتجها في حال تنفيذه، هذا التنفيذ الذي أصبح وشيكا، في ظل وجود قرار حكومي قاطع باجرائه خلال العام الحالي، ويبدو واضحا من خلال المعطيات المتوفرة والخطوات التي اتخذتها وزارة التخطيط، إن إجراء التعداد صار بحكم المؤكد، وفي مقدمة تلك المعطيات، اجراء التعداد التجريبي الذي اعلنت عنه هيأة الاحصاء واكدت نجاحه في جميع المحافظات الثمانية عشر، باختيار مناطق ريفية وحضرية في كل محافظة، والتعداد التجريبي مثّل فرصة مهمة لفحص الكثير من الفعاليات الاساسية المرتبطة بالتعداد العام، على رأسها مستوى الاستجابة من قبل الناس، وحجم التفاعل الايجابي مع الفعالية، فقد جاءت النتائج لتؤكد ان الاستجابة كانت رائعة، ومعنى ذلك أن المواطنين العراقيين يدركون على نحو الوضوح، أهمية هذا المشروع، وقد تحدّث الكثيرون منهم، بلغة التنمية، مشيرين إلى أن تغيير الواقع بحاجة إلى قراءة دقيقة لهذا الواقع، وهذه القراءة لا يوفرها سوى التعداد، وهذا مؤشر مهم، مؤداه، ان مستوى خصوبة الارض يرتفع كلما تُركت فترة اطول، وبالتالي فإن عدم تنفيذ التعداد لاكثر من ثلاثة عقود، جعل الناس يترقبون وينتظرون، اجراءه لكي يُلقوا الحجة بعد ذلك على المعنيين، ويقولوا لهم، هذا واقعنا وهذه مواطن الخلل فيه، وتلك فجواتنا التنموية، في السكن والصحة والتعليم والعمل والخدمات، فماذا انتم فاعلون لتغييره نحو الاحسن؟!. وفي النتائج ايضا، إن التقنيات الحديثة كانت حاضرة بقوة في اجراء التعداد التجريبي، وكان لهذا الحضور أثرٌ مهمٌ في سرعة تناقل البيانات من الميدان إلى المركز، وهذه قضية في غاية الاهمية، معناها أن تفاصيل واقعنا وخصائص حياتنا نحن العراقيين، ستظهر بوضوح في ثنايا اللقطة الشاملة للتعداد السكاني خلال مدة وجيزة جدا لاتتجاوز الثلاثة اشهر، مقارنة مع ثلاث سنوات استغرقتها عملية استخراج نتائج تعداد 1997، على الرغم من أنه لم يكن شاملا لمحافظات اقليم كردستان، كما أن عدد السكان حينذاك، كان يمثل نصف عددهم اليوم.