هل بدأت “نبوءة” قاسم سليماني تتحقق ميدانيا؟ وما هي؟
كتب / عبد الباري عطوان...
الخطاب الذي القاه سماحة السيد حسن نصر الله قائد المقاومة الإسلامية في لبنان صباح اليوم بمناسبة إحياء ذكرى عاشوراء في الضاحية الجنوبية جاء حافلا بالرسائل لأطراف عديدة أبرزها أمريكا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، مثلما احتوى تجسيدا للخطة الاستراتيجية التي وضعها الشهيد قاسم سليماني رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وعنوانها الأبرز تطويق “إسرائيل” بدائرة من اللهب تؤدي في نهاية المطاف الى احراقها، وبالتالي اجتثاثها.
***
جديد هذا الخطاب “القصير” القوي الحافل بالمواقف المتعددة وعلى كل جبهات الإسناد، يمكن تلخيصه في النقاط التالية الأهم في رأينا:
الأولى: توجيه تحذير قوي جدا وغير مسبوق، الى “إسرائيل” من التمادي في استهداف المدنيين في جنوب لبنان غداة استشهاد خمسة منهم، من بينهم ثلاثة أطفال “سوريين”، لما يمكن ان يترتب على ذلك من ردود صاروخية انتقامية موجعة جدا، ويبدو انها بدأت اليوم.
الثانية: مخاطبة أبطال المقاومة “الشجعان” اولي البأس الشديد وحاضنتهم الصابرة الصامدة أمثولة هذا الزمان، والتمني عليهم بالصبر والصمود لان القتال في الجبهات المساندة لن يتوقف وعلى الجبهة اللبنانية خاصة ما دام العدوان عليهم مستمرا، مؤكدا ان جوهر عاشوراء الانتصار للمظلوم.
الثالثة: التهديد الصريح، والمباشر، بأن العدو الذي يعاني حاليا من نقص متسارع في الدبابات بسبب عمليات المقاومة سيواجه افلاسا كاملا فيها، اذا أرسلها الى جنوب لبنان، لأنها لن تعود مطلقا اذا دخلت أراضيه، وهذا تلميح الى وجود معدات جديدة يمكن ان تتعاطى بشكل فاعل جدا مع هذا السلاح.
الرابعة: التعهد بإعادة تشييد جميع القرى الامامية في جنوب لبنان بصورة تجعلها أجمل مما كانت عليه “فهي رمز صمودنا ومقاومتنا”، مما يعني وجود خطط جاهزة في هذا المضمار، ماليا وفنيا.
الخامسة: لا يوجد أي اتفاق جاهز لترسيم الحدود البرية مع دولة الاحتلال وكل ما تردده بعض الأوساط الإعلامية اللبنانية وغيرها في هذا المجال، وتسريبات المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين مجرد أكاذيب.
السيد نصر الله اذا قال فعل، واذا تعهد نفذ، فعندما توعد بالانتقام لشهداء المقاومة، وإسناد شقيقتها في قطاع غزة، بدأ حرب الاستنزاف للعدو بعد يوم واحد فقط من عملية “طوفان الاقصى” (8 تشرين الأول 2023)، وهي الحرب التي أدت الى نزوح 200 الف مستعمر من الجليلين الأعلى والادنى حتى الآن، وحرق 200 الف دونم من الأراضي الزراعية وافراغ عشرات المستوطنات من ساكنيها، والأهم من ذلك وصول مئات الصواريخ والمسّيرات (خاصة الهدهد بنسختيه) الى صفد وطبريا.
عندما يقول السيد اليوم بأن الرد ثأرا للشهداء المدنيين الذين سقطوا بنيران الصواريخ الإسرائيلية، ودون تفرقة بين اللبناني او السوري او الفلسطيني، بات وشيكا، فإن اول تنفيذ لهذا التعهد بدأ اليوم بقصف مدينة نهاريا التي تقع بين عكا وراس الناقورة بـ15 صاروخا، حسب بيان للجيش الإسرائيلي، مما يعني ان مستعمرات وبلدات جديدة ستكون أهدافا محققة في الايام المقبلة، ولا نستبعد ان تكون حيفا، وتل ابيب على رأسها، فهناك بنك اهداف جاهز يشمل محطات كهرباء وماء ومخازن الامونيا، ومعامل تحلية مياه، وارصفة استخراج الغاز والنفط في البحر التوسط، ناهيك عن القواعد العسكرية التي جرى توثيقها في 9 ساعات من الفيديوهات التي صوّرها الهدهدان الأول والثاني.
***
اذا تطورت هذه الحرب ووصلت الصواريخ والمسيّرات الى المستعمرات والمدن والمدنيين الإسرائيليين فيها، فان هذه بداية النهاية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، لان هؤلاء ظلوا في منأى عن الانتقام خاصة من صواريخ قطاع غزة.
صواريخ “حزب الله” الدقيقة لم تنزل الى الميدان بعد، واذا لم يتم أخذ تحذيرات السيد نصر الله بمحمل الجد، فإن احتمال استخدامها بات يقترب في نظر الكثير من المراقبين، ونحن من بينهم.
الثأر لضحايا غزة (186 ألف شهيد حسب تقديرات مجلة لانسيت البريطانية الطبية المحترمة) وضحايا جنوب لبنان المدنيين، اذا بدأ سيطلق الرصاصة الأولى لسباق الفرار “المدني” الإسرائيلي عبر البحر الى الأماكن التي أتوا منها غازين الى فلسطين من أوروبا، ومنها الى كندا وامريكا وأستراليا.
جبهات الاسناد اللبنانية واليمنية والعراقية، وقريبا السورية، تقف على حافة مرحلة جديدة مختلفة، عنوانها التحرير وليس الانتقام فقط، وهذا ما يفسر استعجال الإدارة الامريكية للوصول الى وقف شامل لإطلاق النار، والانسحاب الكلي من كل القطاع، من خلال مفاوضات الهدنة في الدوحة والقاهرة.. والأيام بيننا.