من أوسلو الى قرار الكنيست.. من “طوفان” الأقصى الى “يافا”
كتب / الياس فاخوري
منذ نيف وعقد من الزمان والنداءات المتكررة والمعجلة لا تنفك تتواصل بمناشدة “الرئيس الفلسطيني” ليقوم باضعف الإيمان ويتخذ موقفا يطيح ب”صفقة القرن” ويجهضها .. خاطبَتْهُ (وخاطبْتُهُ بعدها) بكل اخلاص أن قم بذلك:
{أعلنها وطلِّق أوسلو ثلاثا .. وليكن اعلان الاستقلال مصحوبا بلاءات الخرطوم الثلاثة .. واللاءات الهاشمية الثّلاث .. أعلن قيام “الجمهورية العربية الفلسطينية” المستقلة بعاصمتها القدس الشريف!
لَقَدْ أَضَلَّكم فوقّٓعتم ووقعتم، وَكانَ الشَّيْطانُ الصهيواوروبيكي لِكم خَذُولًا، فَاصْبِحُتم عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ .. فلا تكتفوا اليوم بوقف التنسيق تنفيذا لقرار التحلل من الاتفاقيات مع إسرائيل، واتخذوا مع المقاومين سبيلا!
نعم اليوم، وبعد كل ما حصل ويحصل، أرجوك ان أقْدِم .. أعلنها، سيادة الرئيس، واسقط “الصفقة” بقرنها وقرونها ..
أعلنها “أبو مازن”، أعلنها – ولو من غزة!
اعلنها واتخذ مع المقاومين سبيلا ..
اعلنها وافتح بجزمة الفدائي أُفقا!
أعلنها وأعد لنا الروح ونحن نرى المنكر، وأي منكر أعظم من احتلال فلسطين واغتصابها من النهر الى البحر ومن الناقورة الى أم الرشراش؟ لنعمل على تغيير المنكر، فلكم ارتقى الشهداء قرعا للأجراس مؤذنين باستعادة فلسطين، كل فلسطين، من النهر إلى البحر ومن الناقورة الى أم الرشراش (27،009 كم مربع – متر ينطح متر، كاملة غير منقوصة!) .. ولكم رجوتكم ان اوقفوا “الكوميديا الجاهلية” فقد شبعنا لعباً بين يدي بيرنارد لويس وصحبه اصحاب بدع وخطط وخدع تفتيت المنطقة طائفيا وعرقيا كي لا تبقى فيها دولة سوى “اسرائيل” .. من زئيف جابوتينسكي الى موشی هالبيرتال وحتى أوباما – و ترامب وبايدن بالتأكيد، سيما وهو يستكمل ذلك بوعده “المبلفر” بخصوص الجولان وغور الاردن! فكفوا عن مراقصة العدم وانسحبوا من اللعب بين أيديهم!}
وفي السابع عشر من يوليو/تموز الحالي، ومن قلب الاحتفال باليوم العالمي للعدالة الدولية، يأبى “الكنيست الإسرائيلي” الا ان يعلن قراره برفض إقامة دولة فلسطينية – قراراً تم تمريره بأغلبية ساحقة في ظلّ معارضة 9 نواب عرب فقط، الامر الذي يعكس التقاء الائتلاف الحاكم والمعارضة ويشكل تحالفاً شاملاً بين مختلف الأطياف السياسية في دولة الكيان!
ولم يكن هذا القرار وليد الصدفة، بل هو جزء من استراتيجية “إسرائيلية” معروفة تهدف إلى تقويض حلّ الدولتين وتجعل من قرارات الامم المتحدة والمؤسسات الدولية الداعمة لفلسطين مجرد حبر على ورق .. فمثلاً (أكرر مثلاً) خلال العام الحالي فقط، استولت “إسرائيل” على 40 ألف دونم من أراضي الفلسطينيين، وأقامت 20 بؤرة استيطانية جديدة!
لكن العطر يأتي من غزّة وساحات المقاومة المتحدة انسجاماً مع قول جبران خليل جبران: “تستطيع أن تسحق الزهرة تحت قدميك، ولكن أنّى لك أن تزيلَ عطرها” .. فمهما مارست “اسرائيل” من بربريتها ووحشيتها وسادية عقيدتها، يأتيك – لا بد – عطر وردة تحملها غيمة قادمة من بيارات الليمون، ومن المسجد الأقصى، ومن كنيسة القيامة، ومن جدار البرّاق، ومن نابلس وجنّين، ومن أسوار الياسَمين حيث يرقد فيرتقي آلاف الشهداء. واليوم يأتيك العطر من غزّةَ، ومن اليمن، ومن ساحات المقاومة المتحدة .. من عيون شهدائها، من ركامها، من تصميمها على النصر، من دخولها جامعات العالم… ومن إعادة فلسطين إلى الواجهة .. فها هي محكمة العدل الدولية في لاهاي تخرج برأي استشاري ينصف الشعب الفلسطيني وقضيته للمرة الأولى منذ نشأة الكيان قبل 76 عاماً، فقالت المحكمة إن فلسطين وطن تحت الاحتلال تربط شعبه وجغرافيته عناصر تاريخيّة تجعله شعباً واحداً يملك حق تقرير المصير ..
وهذه “يافا” تقلب معايير الحرب الدائرة اذ تطال عاصمة الكيان السياسية والاقتصادية، وتجمّع شركاته ومؤسساته السياحية، ومقرّ إقامة المصارف والشركات العالمية وشركات البورصة والاستثمارات الأجنبية .. نعم أعلنت “يافا” ان لا مكان في الكيان يعصى على المقاومة، وإن التجمعات السكانية الكبرى التي تحتشد في تل أبيب لم تعد تتمتع بحماية نظام أمني كم تباهى بأنه خيرة ما أنتج الغرب وأفضل ما تملك جيوشه .. وقعت “يافا” على الكيان ومستوطنيه وقادته وقع الصاعقة، وأحدثت حالة من الهستريا الصهيونية، وأثارت قلق المعلقين والمحللين بعد فشل القوات البحرية الأميركية والبريطانية والأطلسية في منع وصولهاالى قلب “تل أبيب”!