أخطر قرار إسرائيلي منذ قيام إسرائيل.. اين العرب؟
كتب / د. عبد الحميد فجر سلوم
قرار الكنيست الإسرائيلي يوم الخميس 18 تموز / يوليو 2024 بِرفضِ إقامة دولة فلسطينية، هو أخطر قرار بعد قرار إقامة دولة إسرائيل عام 1948 .
صيغةُ القرار بحدِّ ذاتها خطيرة جدّا، وتكريسٌ للمزاعم التوراتية بأن هذه أرض إسرائيلية صرفَة لا مكان فيها لأي فلسطيني.
فقد جاء في القرار(أن الكنيست يعارض بشدّة إقامة دولة فلسطينية غرب الأردن. مُعتبِرا أن إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل سيشكل خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها، وسيؤدي إلى إدامة الصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني، وزعزعة استقرار المنطقة..) .
فالضفة الغربية بالنسبة لهم هي قلب إسرائيل، وإن كان الفلسطينيون يبحثون عن دولة، فها هي شرق الضفة، يعني الأردن، كما يطرح المتطرفون الإسرائيليون.. ولا ننسى أنهم يستخدمون التعبير التوراتي لدى الإشارة إلى أراضي الضفة الغربية فيطلقون عليها يهودا والسامرة..
غطرسة إسرائيلية غير مسبوقة، تزداد كل يوم، شجعها عليه التخاذل العربي والإسلامي والدولي، والدّعم غير المحدود الأمريكي، من طرف الحزبين الديمقراطي والجمهوري اللّذين يتبارزان أيٍّ منهما أكثرُ دعما لإسرائيل وسندا لها، وأيٍّ منهما قدّم أكثر في الماضي..
في مؤتمر الحزب الجمهوري في مدينة ميلواكي بولاية ويسكنسن الذي تمّ فيه اختيار ترامب كمرشّح رئاسي، تفاخرَ الجمهوريون بما حقّقوه لإسرائيل من اتفاقات تطبيع مع الدول العربية في إطار الاتفاقات الإبراهيمية.. واتّهموا الرئيس بايدن بأنه هو من عرقل جهود إسرائيل في القضاء على حماس، هذا على الرغم من كل ما قدّمهُ بايدن من دعم لإسرائيل خلال هذا العدوان البربري على غزة، والذي ذهب ضحيته حتى اليوم 38 ألف و 848 شهيدا، يُطلِق عليهم بعض الإعلام العربي، بل وإعلام السُلطة الفلسطينية صِفةُ (القتلى) وليس الشهداء.. عدا عن حوالي 90 ألف مُصاب..
**
قرار الكنيست الإسرائيلي جاء تحدٍّ لكل قرارات الأمم المتحدة، ولكافة الدول التي اعترفت بفلسطين مؤخّرا.. وتحدٍّ لكل العرب الذين طبّعوا مع إسرائيل وتبادلوا معها السفارات في الماضي والحاضر، ووعدوا الشعوب العربية بأن هذا التطبيع سوف يساعد في الإسراع بقيام دولة فلسطينية ووقف التوسُّع بالمستوطنات.. وهذا ينسف كل اتفاقات أوسلو التي وقعتها السُلطة الفلسطينية مع إسرائيل وكانت غلطة تاريخية لا تُغتَفر..
يقول الوزير الإسرائيلي السابق يوسي بيلين، وأحد مهندسي اتفاق أوسلو إن (مشكلة الفلسطينيين أنهم صدّقونا) مُشيرا أن الفلسطينيين لم يطلبوا في اتفاق أوسلو وقف الاستيطان وإنما تجميده فقط، لقد صدّقونا وكانت هذه مشكلتهم فلم يُصِرُّوا على بند واضح لوقف الاستيطان..
وهذا القرار ينسف كل الآمال التي كنا ننتظرها من عملية طوفان الأقصى، بأن هذه العملية وما نجم عنها من خسائر فلسطينية باهظة على كافة المستويات البشرية والمادّية، سوف تؤدي حتميا إلى قيام الدولة الفلسطينية التي ننتظرها، وهذا ما يُمكن أن يُعوِّض عن هذه الخسائر، أو يُخفِّفُ من آلامها..
مواقف الإدانة والاستنكار العربية والدولية لا تفيد..
المطلوب أولا من العرب الذين اعترفوا بإسرائيل، سحبُ هذا الاعتراف كاملا، وإلغاء تبادل السفارات، وكافة الاتفاقات الموقّعة مع إسرائيل في كافة الميادين، ووضعُ شرط واحد لا حياد عنهُ: الاعتراف بإسرائيل يكون مُتبَادَلا باعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية كما نصّت قرارات الأمم المتحدة تماما.. أي الانسحاب من كافة الأراضي التي احتلّتها إسرائيل في عدوان حزيران 1967 .. وأن الاعتراف من طرف واحد مرفوض بالمطلق..
ومطلوب من الجمعية العامة للأمم المتحدة عقد جلسة طارئة واتخاذ قرار بِبُطلان هذا القرار وعدم الاعتراف به، ويكون هذا بمثابة الالتزام الأممي..
ومطلوب من مجلس الأمن الدولي عقد جلسة استثنائية واتخاذا قرار باعتبار قرار الكنيست الإسرائيلي لاغيا وباطلا.
وهذا ما هو مطلوب أيضا من كافة الدول العربية والإسلامية. فيجب عقد مؤتمر عربي وإسلامي مشترك يرفض قرار الكنيست بالمطلق، وقطع كل صلات مع إسرائيل.. فالتصريحات وحدها لا تكفي، بل باتت مُمِلّة ومدعاةٌ للسخرية..
فقيام دولة فلسطينية ليس كما تدعي إسرائيل بأنه يؤدي إلى إدامة الصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني، وزعزعة استقرار المنطقة، وإنما العكس تماما، فعدم إقامة دولة فلسطينية هو من يؤدي إلى إدامة الصراع وزعزعة استقرار المنطقة..
إن بقي العرب بهذا التراخي مقابل التطرُّف الإسرائيلي المتصاعد باستمرار فسيأتي يوما يقولون فيه (أُكِلنا يوم أُكِل الثور الأبيض)..
مِصر أكبر دولة عربية، للأسف ذهبت هيبتها، ونتنياهو يتفاخر أنه سيطر على كل حدود غزّة مع مصر، ومصر تتفرّج، أو تُصدِر البيانات..
إن بقي هذا التراخي العربي فأحلام إسرائيل من النيل إلى الفُرات قادمة، وكل يوم يقتربون أكثر من تحقيق هذه الأحلام..
والهيمنة قد لا تكون أحيانا بالاحتلال المُباشر، وإنما بالخوف من العدو والاستجابة لكل رغباته ومطالبه. وهذا ما نراه في بعض الدول العربية البعيدة عن إسرائيل..