ما دور “هُدهُد السيّد” ومُسيّرة يافا” في تغيير الخرائط وقواعد الاشتباك الأمريكيّة؟
كتب / عبد الباري عطوان
كانَ بنيامين نتنياهو يُخطّط أن تُحقّق زيارته الحاليّة إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة “فتحًا عظيمًا”، وخطابه في الكونغرس تحشيدًا للدّعم الأمريكيّ التشريعيّ والشعبيّ لدعم حرب الإبادة التي يشنّها في قطاع غزة، ولكنّ التّخطيط والتمنيات شيء، والنّتائج شيء آخَر فأمريكا التي يزورها اليوم مُنقسمةٌ تسودها الفوضى، وتقف على أعتابِ حربٍ أهليّة، وتُواجه خطر التّفكيك، وانتِخابات رئاسيّة وتشريعيّة تسودها الفوضى والارتِباك بعد انسِحاب الرئيس جو بايدن، أو إجباره على الانسِحاب من السّباق، وفاقم الخِلافات في أوساط حزبه حول اختِيار خليفته ونائبته كامالا هاريس لتمثيل الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسيّة المُقبلة بعد 3 أشهر و نصف.
***
خطاب نتنياهو أمام الكونغرس، وربّما زيارته برمّتها للولايات المتحدة أيضًا، قد يكونا الأخيرين، ولن ينجح في تحقيق مُعظم أهدافه، إن لم يكن كلّها، فهو يهرب من كيانه المُنقَسِم بحثًا عن الدّعم إلى دولةٍ أكثر انقسامًا، وتُواجه الهزائم على عدّة جبَهات أبرزها أوكرانيا، وهذه هي الأسباب التي تُؤكّد هذه الفرضيّات:
أوّلًا: نجح الأشقّاء اليمنيّون، وطائرتهم المُسيّرة “يافا” الانغماسيّة التي وصلت إلى قلبِ تلّ الرّبيع (تل أبيب) وتفجيرها في أكثر شوارعها أمنًا (حي السّفراء) وعلى بُعد خطواتٍ من القنصليّة الأمريكيّة، وقتل مُستوطن وإصابة عشرة آخَرين، ممّا أدّى إلى كسرِ شوكةِ الغطرسة “النّتنياهويّة” وألحاق أكبر قدر من الإذلال بصاحبها، وأُسطورة جيشه وأجهزة رصده ومُخابراته.
ثانيًا: الرّد العُدواني الإسرائيلي بقصف ميناء الحديدة كرَدٍّ على هذه المُسيّرة اليمنيّة بعشرين طائرة “شبح” (إف 35) بتعاونٍ أمريكيٍّ أدّى إلى اشتعال النّيران في مخازن النّفط، وتدمير محطّة كهرباء، واستِشهاد 6 مدنيين وإصابة 86 آخَرين، وبات الرّد الانتقاميّ الثّأريّ على هذا العُدوان مُتَوقَّعًا في أيّ لحظة، وقد يتم أثناء زيارة نتنياهو لواشنطن، وربّما أثناء إلقاءِ خِطابهِ في الكونغرس.
ثالثًا: نتنياهو لن يكون في موقع قوّة لفرض شُروطه على الرئيس الامريكي المُنْسَحِب بايدن، بل ربّما يحدث العكس تمامًا، فانسِحابُ بايدن من السّباق الانتخابيّ جعله في موقفٍ أكثر قوّةً في وجه نتنياهو الذي أهانَهُ وأذلّه، فليس لدى بايدن ما يُمكن أنْ يخاف عليه أو يخسره، وربّما حانَ وقت الانتقامِ الشّخصيّ.
رابعًا: كامالا هاريس المُرشّحة الدّيمقراطيّة التي ستخوض الانتخابات الرئاسيّة بعد انسِحاب بايدن، تحتاج إلى حشدِ المُهاجرين المُسلمين والأفارقة، وزُملائهم من الأُصول الإسبانيّة وهؤلاء 40 بالمئة من الأصوات تقريبًا، للتّصويت لها في هذه الانتِخابات، ممّا يجعلها أقلّ دعمًا لنتنياهو وحرب الإبادة التي يشنّها في قطاع غزة.
خامسًا: لأوّل مرّة، ومُنذ قيام دولة الكيان العُنصري الإسرائيلي، سيجد نتنياهو مُظاهرات احتجاجيّة صاخبة أمام البيت الأبيض والكونغرس يقودها الشّباب الأمريكي ضدّه تضامُنًا ودعمًا للشّهداء في حرب غزة، وهو ما لم يتعوّد عليه ويتوقّعه في جميع زياراته السّابقة للولايات المتحدة.
سادسًا: الدّولة الأمريكيّة العميقة هي التي أجبرت بايدن على الانسحاب من السّباق الانتخابي، والإتيان بالسيّدة هاريس نائبته، لأنّها لا تُريد عودة ترامب إلى البيت الأبيض بسبب علاقاته القويّة مع الرئيس بوتين، خاصَّةً في ظِل تزايُد شعبيّته، بعد مُحاولة الاغتِيال “المُفبركة” وفشل بايدن المُريع في المُناظرة التلفزيونيّة الأُولى، ولا نستبعد أن تكون إصابته، أي بايدن، بالكورونا مسرحيّة مُفبركة أيضًا لتبرير الانسِحاب من السّباق الانتخابي، فالدّولة الأمريكيّة العميقة التي وقفت خلف مُعظم الانقِلابات والاغتِيالات في العالم، وما يُسمّى بالرّبيع العربي، واختِراع ما يُسمّى بالدّولة الإسلاميّة (داعش) تَمْلُكُ تاريخًا عريقًا في “الفبْركات” و”المسرحيّات”، مثلما تملك جيشًا “عرمرمًا” من “المُمثّلين” “والمُنفّذين” من مُعظم الجنسيّات.
سابعًا: نتنياهو تقدّم بطلبٍ رسميٍّ عبر مكتبه في القدس المُحتلّة للقاء ترامب، في مُحاولةٍ للرّهان على عودته للسُّلطة، وما زال ينتظر الرّد، وسواءً جاء سلبًا أو إيجابًا، فإنّ هذا اللّقاء سيكون محدود الفائدة، إنْ لم يأتِ بنتائجٍ عكسيّة، لأنّ نتنياهو ربّما لن يكون في السُّلطة عند عودة ترامب إلى البيت الأبيض في كانون أوّل (يناير) القادم مثلما يَحلُم، ففُرص فوز ترامب ما زالت محدودة وغير مضمونة.
***
أمريكا اليوم ليست القوّة العُظمى التي تتحكّم بالعالم بالقوّة أو العولمة، مثلما كان عليه الحال في القرن الماضي، والعرب اليوم ليسوا العرب الأغبياء الذين كانت إسرائيل تهزم جُيوشهم في ساعاتٍ معدودة، نعم نحن لا يُمكن أن نَسقُط في خطيئة التّعميم، وننفي وجود نسبة لا بأس بها من الأنظمة العربيّة “المضبوعة” أمريكيًّا وإسرائيليًّا، ولكنّنا نتحدّث هُنا عن محور المُقاومة، وسبع من جبَهاته، المُقاتلة أو المُساندة، أو الاثنتين، التي تتصدّى للعُدوان الأمريكي- الإسرائيلي المُزدوج سواءً في البرّ، أو البحر، أو الجو، فكانوا يهزموننا بالطّائرات ثابتة الأجنحة التي تُكلّف عشَرات الملايين من الدّولارات، ونحنُ بِتنا نهزمهم ونُرعبهم بالمُسيّرات والصّواريخ التي لا تُكلّف كُل واحدة منها بضعة آلاف.
الصّهيوني “المُتطوّع” بايدن سقط وانسحب، وحليفه نتنياهو يترنّح وقد لا يعود من واشنطن، وسوناك وحزب المُحافظين البريطاني خسر السُّلطة بالضّربة القاضية، واعتزل السّياسة، والدّور زاحفٌ بسُرعةٍ نحو الحُكومات العربيّة المُتواطئة والمُطبّعة، فالحربُ تتوسّع، والمُقاومة تُحقّق الانتِصار تِلو الآخَر في ظِل تغيّر جميع قواعد الاشتِباك.. واسألوا “هُدهُد السيّد” ومُسيّرة “يافا” اليمنيّة القُح.. والأيّام بيننا.