لن نتحدث العبرية حتى ولو تحدث بها أهل الكعبة!
كتب / المهندس سليم البطاينة
شخصياً لا اخجل لحظة واحدة عندما أقول أنني آمنت بيوم ان يكون لنا مع إسرائيل سلام حقيقي مع الشعوب وليس مع الحكام، وكنت دوماً ولا زلت أقول أن أسوأ شعار كان شعار رمي اليهود في البحر الذي نطق به أحمد الشقيري عام 67 الذي ما زلنا ندفع ثمنه حتى الآن.
الجغرافيا لم تتغير وحدها بالمنطقة، بل تغيرت معها أنماط الفكر والسلوك السياسي العربي وانقلبت الموازين وتحولت المفاهيم واختلطت فيه الأوراق، ما يجري الآن من بعض العرب هو ليس اعترافاً بإسرائيل فقط بل أعترافٌ بالذنب في مقاطعتها في ما مضى! والكثيرون منهم وللأسف لا يدركون حتى اللحظة المعنى الحقيقي لغدر الأرشفة، ولعل الشيء المفقود لديهم لا يعني شيئاً! لكنه عند الشعوب كل شي، وهو الكرامة، فالتطبيع مع إسرائيل ليس مجرد علاقات دبلوماسية أو مصالح أمنية متبادلة، وإنما مراجعة عميقة لمفاهيم تدخل في عمق الذات العربية الإسلامية! بتكريس فكرة موت التاريخ وإعادة النظر في أبعاد تاريخيّة وأسس دينية تنسف كل ما سبق.
دعونا نقلب الصفحة ونسأل: ماذا نحتاج من ادلة حتى يتعمق إيماننا بأن إسرائيل لا تريد السلام معنا؟ وهل يمكن لنا ان نتحدث بكرامة عن ما نَالنا من إذلال ونزع كرامة!
الصورة هنا مقلوبة! لكن الأمور أمامنا نحن الشعوب أكثر وضوحاً، فـ طوال سنوات طويلة من العلاقات مع إسرائيل لم تتمكن إسرائيل من التسلل إلى عقول العرب وقلوبهم في صورة الدولة المسالمة التي لا تضمر شراً لهم، فلا زالت تسعى على مرأى ومسمع العالم كله لفرض الأمر الواقع الذي تريده على الأرض! وترفض رسم حدودها وتعتبر هذه الحدود مفتوحة وآخر نقطة يقف عليها الجندي الإسرائيلي! وهذا ما صرحت به غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل قبل أكثر من خمسين عاما. عندما تم سؤالها عن حدود إسرائيل فقالت: عندما نصل إلى الحدود سنخبركم بذلك!
يجب ان نعرف أن ما تريده إسرائيل هو سلام على مقاسها وعلى مزاجها! مَبني على فكرة التفوق والهيمنة والتبعية ليس أكثر! وجوهر مشروعها يقوم على بقاء البنية العربية مُفككة!
إننا نعيش في زمن تشهد فيه المنطقة والإقليم مظاهر هرولة وحالة لم نرها في التاريخ ولا في الجغرافيا بالهرولة نحو إسرائيل بسرعة غير مسبوقة! وبشكل علني مُهين، وما يؤسف له ان الخطاب الرسمي العربي يتسم بنبرة استعطافية وكأن الإسرائيليون هم الثابتون ونحن الطارئون! والمزعج والخطير ان كثير من الأنظمة العربية تظُن إن حبل نجاتها بيد إسرائيل!
تعددت الآلهة في زمن الهرولة نحو إسرائيل! وثمة تساؤلات تدور في خاطر كل كاتب ومحلل وباحث عن سر عشق معظم الأنظمة العربية لإسرائيل؟ ومدى هذا العشق؟ وهل هنالك وشائج تُفسر لنا هذا العشق والهيام المُفرط الذي وصل درجة الوالة؟!
إنه إذلال واسع وعميق نتعرض له كل يوم، تُستباح فيه دولنا ولا يمكن لنا أن نرفع رؤوسنا، إسرائيل مستمرة في مجزرة العصر على غزة، والموقف العربي لم تعُد له بوصلة توجهه، ولن يتغير حتى ولو تم هدم المسجد الأقصى! وسيبقى الحال على ما هو عليه بدعوى أن أسوأ مخاوفنا قد تحقق! وسيكفينا هنا عدد من بيانات الشجب والاستنكار والإدانة، تترافق معها مسيرات ومظاهرات احتجاجية تُحرق فيها الأعلام الإسرائيلية.
إن جنون العظمة والغطرسة لدى قادة إسرائيل وصل إلى حد طلب البعض منهم بضرب غزة بقنبلة نووية!! فلا أذكر أن مسؤولاً أمريكياً نصح أو اقترح بضرب كابول في أفغانستان قبل ثلاثة عقود بقنبلة نووية رداً على إيواء طالبان تنظيم القاعدة الإرهابي المتهم بهجمات الحادي عشر من أيلول 2001.
ما يجري الآن من حالة صمت عجيبة وركون من كل طرف يشبه الحالة التي عاشها العرب قبل سقوط بغداد عاصمة الخلافة وإحراق كل معالمها وابادة معظم سكانها على يد المغول سنة 1258.
سنبقى عرايا امام مرآة التاريخ! فلم يبقى لنا من خريطة الكرامة إلا ما خطّ على جسد حنظلة التي رسمها (ناجي العلي) في كاريكاتيراته سنة 1969 بجريدة القبس الكويتية لاستعادة الكرامة والتخلص من وزر الذل، فالذل يوقظ الرغبة في تحويل الإذلال المتعمد إلى محطات كرامة كما تخبرنا صفحات التاريخ
بس ناقصنا شوية كرامة: جملة لخّص بها الأديب والشاعر العربي السوري محمد الماغوط والممثل دريد لحام حال العرب وأحوالهم وذلهم وهوانهم المُهين في وقت مبكر في سبعينات القرن الماضي في المسرحية الرائعة (كاسك يا وطن)
وهنا تبدو الإجابة واضحة على سؤال ماذا بقي؟ بقي على الأقل ان نقول الحقيقة؟ لا نريد سلاما مع إسرائيل، ولن نَتعلم ولن نتحدّث العبرية حتى ولو توالت المصالحات والمصافحات المعلنة منها أو السرية! فـ كروموسومات الكرامة لا تباع ولا تشترى بل تولد مع الإنسان، وتنقص وتزول عمن يذلها ويحتقرها!