لا خطر يهدد البلاد بسبب انخفاض أسعار النفط في الأسواق !!
كتب / د.باسل عباس خضير …
بسبب الظروف التي تمر بها المنطقة واحتمالات التصعيد هنا او هناك والتي انخفضت بسببها أسعار النفط في الأسواق ، اخذ البعض يردد بان كارثة كبرى ستقع في العراق نتيجة انخفاض إيرادات بيع النفط التي تغذي أكثر من 90% من مجمل النفقات ، وإذ نتفق مع هؤلاء في إن اقتصادنا يمكن إن يتأثر بالأزمات كونه اقتصادا ريعيا لم يعتمد الإنتاج المحلي غير النفطي لتغطية مجمل الإيرادات ، إلا إن ما نود التعبير عنه إن العراق بإمكانه الصمود وتقليل أضراره خلال فترة الأزمة إن وقعت ( لاسمح الله ) ، وتلك الحقيقة نذكرها ليس لإرضاء أي من المعنيين وإنما لتقليل مخاوف الناس من بعض التحليلات والتصريحات التي تروج بهذا الخصوص وان ذلك ليس من فراغ وإنما يعود لعدة أسباب ، أولها إن اقتصادنا بالأساس ليس مثاليا كونه يعيش بأزمة حقيقة توارثها منذ عقود وسنوات ولم تعالجها جوانب مهمة منها سوى صادرات النفط ، فالمحاولات كلها لم تبلغ الوصول لنقطة التعادل BEP ( Break Even Point) التي تعني من الناحية المحاسبية تساوي مجمل النفقات مع مجمل الإيرادات ، وهذه النقطة لم نصلها بدليل إن كل الموازنات الاتحادية التي غابت قبل عقود و التي أعدت وصدرت خلال العشرين عاما مما فات تحوي عجزا مهما بين النفقات والإيرادات مما يعني إن العجز بات مدمنا في الاقتصاد ، وثانيها إن الموازنة الاتحادية للسنوات 2023- 2024 - 2025 قدرت الإيرادات على أساس 70 دولار لسعر برميل النفط وان السعر الحالي ( اليوم ) بعد الانخفاض هو أكثر من السعر المخطط اذ يبلغ 73 - 76 دولار للبرميل ونفط البصرة الثقيل بسعر 71 ونفط البصرة المتوسط هو 74 دولار حسب النشرات العالمية ليوم 5 آب 2024 ، ويفترض بالأسعار السائدة اليوم أن لا تؤثر على وضعنا كونها أكثر من المتوقعة عند إعداد الموازنة رغم إن إسهامها في تعويض العجز المخطط اقل من الأمنيات ودون الأسعار السابقة ، والسبب الثالث إن الظرف الذي تشهده المنطقة لم يتحول لازمة بعد و قد لا يدوم كثيرا لان هناك كثيرا من المصالح التي ترتبط بصادرات نفط اوبك ومنها صادرات العراق ، فاغلب الدول المستوردة للنفط ستبدأ منتصف الشهر الحالي وما يليه بتامين وتخزين حاجاتها واحتياطياتها لموسم شتائها الذي سيبدأ عندهم بعد أسابيع ، أما السبب الرابع فان بلدنا له تجارب بشان انخفاض قيمة وكمية صادرات النفط حيث مر بظروف أكثر تعقيدا ( كونها عالمية ) في الأعوام 2009 إبان أزمة الاقتصاد وفي 2014 وكذلك خلال أزمة كورونا بعد 2019 ، وهي أزمات تم المرور والعبور من خلالها بعدد من الإجراءات سواء بالاقتراض او بتقليص الإنفاق او غيرها من الإجراءات التي لم تشكل كارثة على البلاد .
وصحيح إن اقتصادنا يحوي هشاشة في تركيبته الهيكلية إلا إن لديه درجة من القدرة والمرونة للصمود خلال الظروف الطارئة دون ضرر بالغ و كبير ، فهو يمتلك احتياطيات تتضمن الذهب والدولار كما إن هناك إمكانية لتأجيل ما يمكن تأجيله من الإنفاقات الجارية والاستثمارية لغاية عبور الأزمة على الأقل ، وهناك عدة إجراءات يمكن اتخاذها أن تتخذها الدولة بهذا الخصوص ، ومنها إيجاد معالجة حازمة للاستيراد الذي يتم خارج المنظومة الرسمية التي أنشاها البنك المركزي العراقي والتي تؤثر بشكل كبير على أسعار الصرف في السوق السوداء وتنعكس آثارها على أسعار السلع والخدمات في الأسواق ومنع تدفق الدولار للخارج بالسيطرة على المنافذ التي تخرج منها العملات ، ناهيك عن إمكانية استقطاب العملة المحلية الموجودة خارج التداول المصرفي من خلال تحفيز حامليها على توظيفها بشكل يحقق لهم إيرادات مجزية سواء من خلال تغيير سعر الفائدة وإيجاد حالة كبيرة من الاطمئنان على حماية ودائعهم دون ضرر صغير او كبير ، ونعتقد إن الدولة بأجهزتها المعنية وباستشارة العقول المنتجة الموجودة في البلاد قادرة على تجاوز مثل هذه الازمات من دون تعريض مواطنيها للأضرار وإزالة مخاوفهم وقلقهم بهذا الخصوص ، لا نقول ذلك بهدف إدخال ( الخدر ) والتقليل من حجم الخطر الذي قد يعيشه البلد وإنما لكي تتخذ القرارات بحكمة ومن دون الاضطرار للمس بحياة المواطنين من محدودي ومعدومي الدخل او المعتمدين على الأعمال في القطاع غير الحكومي ، ونشير بهذا الخصوص إن الحكومة الحالية تمتلك قدرا معقولا من القدرة في إدارة شؤون العباد والبلاد وهذا ما تعمل على إثباته بالفعل ، وهذه القدرات يمكن أن تتضاعف عندما يترك هامشا اكبر لها في التدبر واتخاذ القرارات وعندما تقلص انعكاسات الظرف على العراق ، ولأننا جميعا نجهل تفاصيل ما ستحصل من تطورات وكم ستدوم ومقدار تأثيراتها على الاقتصاد ، فان من الحكمة استخدام الشفافية في نقل حقيقة التوقعات والاحتمالات على الناس من دون تضخيم وتهويل والتهديد بإتباع سياسات ( شد الأحزمة على البطون ) في غير توقيتها وحجمها وتأثيرها الصحيح ، نقول ذلك لان البعض تضرر بالفعل من سياسات مواجهات الازمات السابقة ، ولا يعني ذلك إعفائنا من المسؤولية الجمعية للإسهام في المواجهة لكل الاحتمالات بهذا الخصوص ، فالأمنيات تنصب بان لا تبدأ بالمس بالفئات ( الضعيفة ) تحت عنوان التقشف او غيرها من التسميات ، وعلى العموم فان هناك حالة من التأكد واليقين بقدرة بلدنا وشعبه الأبي في تجاوز أي من الظروف و الازمات لما يمتلكه من قدرات مصحوبة بدعوات الطيبين بان يحفظ بلدنا وأهله من كل المعسرات .