صراعات نتيجتها ترتد على مشعليها..!
كتب / نعيم الهاشمي الخفاجي
عندما سئل الكاتب الروسي أنطون تشيخوف عن طبيعة المجتمعات الفاشلة، أجاب بالقول تاتالي، في المجتمعات الفاشلة، يوجد ألف أحمق مقابل كل عقل راجح، و ألف كلمة خرقاء إزاء كل كلمة واعية. تظل الغالبية بلهاء دائما، و تغلب العاقل باستمرار. فإذا رأيت لموضوعات التافهة تتصدر النقاشات في أحد المجتمعات، و يتصدر التافهون المشهد، فأنت تتحدث عن مجتمع فاشل جدا.
عندما تتابع الفيالق الإعلامية، العربية التي تحدثت ليل نهار، عن عملية اغتيال هنية في طهران، وتراهم يتحدثون بالقول على سبيل المثال، يقولون، ما هي الخيارات المتاحة أمام إيران للانتقام وهل الحرب من ضمنها؟ ويضعون علامات استفهام وتعجب.
يفترض بالعرب أن لا يتفاجئون بما حدث من عملية اغتيال طالت رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، لأن إسرائيل احتلت مدن وعواصم عربية، ونفذت عمليات اغتيالات طالت قيادات فلسطينية في الكثير من العواصم العربية، مثل عمان وبيروت والخرطوم ودمشق، بل الطيران الإسرائيلي اغار على معمل الطاقة النووي العراقي بصيف عام ١٩٨١ في العاصمة العراقية بغداد، تم اغتيال عالم ذرة مصري متجنس عراقي يعمل في البرنامج النووي لنظام صدام الجرذ يكنى في الشهد، وعملية الاغتيال تمت في عاصمة أوروبية.
وقعت عمليات استهدفت أساتذة جامعات إيرانيين نفذت من قبل عناصر معارضة إيرانية متعاونة مع الموساد الاسرائيلي، قضية الصراع مابين إيران وإسرائيل ليس وليد اليوم، إسرائيل تدعم معارضين إيرانيين لتنفيذ عمليات اغتيالات طالت علماء إيرانيين يعملون في البرنامج النووي الإيراني، بالمقابل إيران تدعم المقاومة الفلسطينية الرافضة للاحتلال، والمطالبة في إيجاد دولة فلسطينية مستقلة.
لولا بشاعة عمليات القتل التي طالت غزة، ووقوف الدول العربية السُنية، وشعوبها مع نتنياهو لتصفية حماس والقوى المقاومة الفلسطينية، والتي ذهب ضحيتها عشرات آلاف الضحايا من الأطفال والنساء، لما وقفت القوى الشيعية المقاومة إلى جانب شعب غزة العربي الفلسطيني السُني، مطالب الشيعة محصورة بنقطة واحدة، إيقاف حرب غزة لاغير.
بالتأكيد ثمن وقوف القوى الشيعية المقاومة مع أهل غزة، له ثمن باهظ، حيث تقوم إسرائيل وبدعم من الناتو بقصف أهداف في العراق واليمن ولبنان وسوريا، في الوضع الايراني لايتم مهاجمة إيران بالطيران ولا في الصواريخ، وإنما من خلال دعم عناصر إيرانية معارضة تعمل لصالح الموساد الإسرائيلي.
اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة في طهران، تم من خلال عناصر إيرانية معارضة وليس من خلال قصف جوي أو صاروخي اسرائيلي، ماحدث شيء طبيعي، سبق أن تم اغتيال عالم ذرة إيراني يعمل في البرنامج النووي الايراني، لكن وجود إسماعيل هنية ضيفا في ايران، للمشاركة مع قادة وزعماء من مختلف دول العالم، في حفل تنصيب رئيس إيران الجديد السيد الدكتور مسعود بزشكيان، يكون وقع عملية الاغتيال حدث كبير، لأنه اغتيل وهو ضيف لدى إيران لحضور حفل تنصيب رئيس الجمهورية الجديد.
بيوم عملية السابع من أكتوبر سمعت تصريحات إلى مسؤولين إسرائيليين عبر قناة الجزيرة، قالوا سوف نقتل إسماعيل هنية، استهدفوا عائلته وسقط غالبية أبنائه وأحفاده بغزة قتلى، عملية اغتيال هنية في طهران تمت في تنسيق مع السلطات الخليجية وبالذات القطرية، اكيد إسماعيل هنية كان لديه جهاز تليفون حديث، ولديه برامج الاتصالات الحديثة، اكيد استعمل أحد التطبيقات وتم رصده وتنفيذ عمليات الاغتيال.
أحد المحللين العربان، تنقل بكلامه من غزة إلى لبنان واليمن وسوريا وإلى العراق، بخصوص العراق، كتب بالقول،( توقف العمليات في العراق لأشهر طويلة عن استهداف القواعد الأميركية يعني أنّ التهديدات الجدية يمكن أن تكبحها).
للظاهر هذا الكاتب نائم لم يسمع ويشاهد، وبكل الأحوال بالعراق توجد مفاوضات مابين الحكومة العراقية والتحالف الدولي لإنهاء وجود قوات التحالف بالعراق.
توجد قصة جميلة ذكرها علماء اجتماع غربيين، تقول، كان العبيد في أميركا قديماً منقسمين إلى قسمين، عبيد الحقول و هم الذين كانوا يعيشون في قهر شديد و جوع و ذل و يعملون ليلاً و نهاراً في الحقول، و عبيد المنازل الذين كانوا يقتاتون من بقايا طعام أسيادهم و يرتدون ملابس أسيادهم القديمة مقابل خدمتهم و الذين كانوا يفتخرون بمكانتهم على عبيد الحقول.
و كان كلما اجتمع عبيد الحقول على ثورة تحررهم من العبودية، خالفهم عبيد المنازل و سارعوا إلى إخبار أسيادهم بحركات التمرد ليقوموا بتعذيب عبيد الحقول و قتل المتمردين و المطالبين بالحرية، و كان عبيد المنازل يفعلون ذلك ليس لهدف ما أو لحكمة، بل كانوا يفعلون ذلك لأنّ بقايا الطّعام والملابس أغلى عندهم من الحرية.
هذه القصة تنطبق بشكل كامل على العرب الذين يتحدثون ليل نهار حول عملية اغتيال هنية بطهران، وغالبية الأنظمة العربية وشعوبها منتهكي الكرامة بالعلن، بكل الاحوال العرب لا يوجد عندهم طرف رابح، بل خيرهم محلوب ومنكوح، كل هذا التهريج والتطبيل لايعيد للعرب كرامتهم المهانة، بسببهم وليس بسبب اعدائهم، لذلك قوى دول الرجعية العربية ترتد عليهم كل الموبقات التي فعلوها من خوض حروب بالوكالة، ومن تمويل الحروب الباردة والساخنة لدول الاستعمار.